جياع العقول
ليس كل مَن ملأ معدته بالطعام بقادر على تحويل ذلك الطعام إلى طاقة مفيدة، وهل للأفاعي والتماسيح أهداف غير لدغ فرائسها وعضّها, ومن ثم ابتلاعها!؟ وهل للضّباع والخنازير مشاريع وخطط مفيدة غير سرقة طعام الآخرين, وتلويث كل مكان يمرّون فيه؟!.
إن جوع المعدة هو جوع الغريزة للطعام, وجوع العقل هو جوع الإنسان إلى المعرفة والتّقدم والرّقي. ولا جوع أشرف وأكرم من جوع الإنسان للمعرفة والعلم, إنه الجوع الذي يُنبت للأجساد أجنحة, وللعيون بصائر, وللقلوب المحبّة والتّسامح.
يُقال: يأكل الغني متى شاء, ويأكل الفقير متى استطاع, وبعض الناس يموتون من الجوع, وبعضهم من التّخمة!.
ويكون الأكل بقدر الرغبة, لا بقدر الجوع, فقد يكون البعض جائعاً حدّ الموت, لكن رغبتهم متخمة بالقهر والحزن والأوجاع, فكيف يأكلون؟!.
وإذا جاعت الأرض أنزلت عليها أختها السماء الثلوج والأمطار, وإذا شبع التّراب أنبت لنا الورد والقمح والزيتون.
ولا تأخذ الأزهار من السماء وندى الصباح إلّا حاجتها, أمّا الباقي فتتركه لينابيع الأرض وطيور السماء, ومَن يُغلّب جوع معدته على جوع عقله كان أقرب إلى الدواب والزواحف منه إلى الإنسان.
ولا شرف أشرف من عزّة النّفس, ولا تاج أثمن من العفّة, وترجيح المعرفة على الجهل, والحب على الحقد, والتسامح على الانتقام, والحق والعدالة على الظّلم والقهر, والكرامة على الذّل والخنوع.
وتُوزَن النّعاج بلحومها, ويُوزن الإنسان بعقله ومعرفته وقدرته على مسامحة مَن أساء إليه, وكلّما كان صاحب العقل كبيراً كان سهلاً على مَن حوله مناقشته والتّحاور معه.
إن سوء التّغذية وفقر الدّم لا يُصيب الجسد فقط, بل هنالك سوء تغذية أفظع وأرعب يضرب الرأس, ويعصف بالنّفس, وعسر الهضم لا يقتصر على المعدة, بل هناك عسر هضم أكثر ارتباكاً يتجلّى في طريقة تعاملنا وفهمنا لمَن حولنا من البشر..
يُقال: (إن العمى الحقيقي ليس عمى العيون، بل القلوب،والصّمم الأشد ألماً ليس صمم الآذان، بل العقول، فكثير من الناس خُلقت آذانهم لا لتسمع وتستمع، بل لتكون ممرّاً للكلام، لا أكثر ولا أقل!).
سهيل الشعار
SOUHEIL-ALCHAAR@HOTMAIL.COM