هانكس/ براون/ هاوارد في” الجحيم”
بصرف النظر عن الإيرادات الملفتة التي حققتها أفلام مثل “شيفرة دافنشي وملائكة وشياطين” اللذين تم اقتباسهما عن روايتي “دان براون” اللتين تحملان الأسمين ذاتهما، لم تأت النتيجة كما هو منتظر من فيلم يقوم على بطولته نجم مثل “توم هانكس” عرف بأدواره الساحرة كما في “فورست غامب” و”إنقاذ المجند رايان” أو “غرين ميل”، ذلك أن التصدي لمعالجة رواية أدبية لاقت حظوتها الكبيرة لدى القراء والنقاد على السواء، لن يكون بالأمر العادي فكيف بالأمر إن كان مع عملين مثل “شيفرة دافنشي” و”ملائكة وشياطين” بالرغم من التخطيط المدروس والتمويل الكبير الذي تم رصده لهما؛ إلا أن النتيجة في الفيلمين لم تأت على قدر التوقعات بل كانت اقرب إلى المخيبة، على الأقل بالنسبة لقارئ عاش أجواء القصة في الرواية.
“روبرت لانغدون” الشخصية، التي جسدها “هانكس” والتي ولدت في عام 2000 في رواية براون “ملائكة وشياطين” هو أستاذ في علم الرموز الدينية والتاريخية، عمل وتخصص يضعه باستمرار؛ أمام العديد من التحديات، والانخراط في قضايا غامضة غيبية، وبالتالي الدخول في الممنوع، الأمر الذي يتسبب بالكثير من التعقيدات فيما يتعلق بمسالة عرض الأفلام المقتبسة عن الروايتين، إذ تتطرقان إلى شأن يمس صلب العقيدة الدينية المسيحية، بالإضافة إلى المقارنة التلقائية التي تحدث عادة مابين العمل السينمائي والرواية التي لطالما تفوقت خصوصاً في مساحة الحرية التي تتيحها لخيال القارئ، وهو ما لا يمكن أن يوفره الفيلم.
وهو أيضاً ما واجهته النسخة الثالثة من السلسلة؛ تلك التي حاولت هوليود إعادة اعتبارها من خلال التصدي لرواية براون “الجحيم”، محاولة لم تأت إيجابية على الأقل بالنسبة لتوم هانكس، في شخصية لم تقدر على تحدي الجمهور وإحداث ذات التأثير الذي فرضته في الرواية”.
مشاهد الفيلم أتت مضجرة بل أقرب إلى إثارة حنق المشاهد، رغم الإمكانات الهائلة التي رصدت له، في عمليات ملاحقة ومطاردات بليدة؛ غير مقنعة، كتلك التي يتم اللجوء إليها في الأعمال التجارية الرخيصة، بقدرات هائلة ظهرت بها شخصية “لانغدون” متفوقاً على منافسيه ومطارديه، لكنها أتت متدنية المستوى في التشويق والإثارة ودرجة الغموض التي تثير المشاهد وتحرك لديه الفضول لمعرفة حل اللغز الذي يقوم عليه الحدث.
في سلسلة أفلام جيمس بوند، أشهر الجواسيس الذين قدمتهم السينما العالمية، تم التركيز على انتقاء ممثل قادر على تجسيد شخصية الجاسوس بحيث أتت متميزة منذ بداياتها في أول أفلامه التي عرضت في العام 1962، السلسلة كانت عبارة عن تلخيص عن مجموعة مغامرات وأحداث مر بها كاتب القصص “إيان فليمنغ” أثناء عمله في القطاع العسكري، لكنه قدمها على أنها شخصية واقعية أقرب إلى الخيال تتالى على تجسيدها أكثر من ممثل؛ جسدها عبر مغامرات قريبة من الخيالية، لكنها أقنعت جمهوراً؛ كان يعلم ما ينتظره من سلسلة مغامرات، والأمر يسري على عدد آخر من الأفلام التي أتت على شكل سلسلة تتناول موضوعاً واحداً؛ وهاري بوتر كان مثالاً ناجحاً في إقناع المشاهد، وبالتالي حصد الجماهيرية والإيرادات على السواء، برغم تعرضه لكثير من الانتقادات لتناوله مسائل ممنوعة ومفاهيم مثيرة للجدل “كالسحر” مثلاً، الأمر الذي يعتبره آخرون مجرد أدوات فنية وأدبية يجب أن يترك للسينمائيين والفنانين والأدباء؛ حرية استخدامها في مشاريعهم التي يمكن تصنيفها كمشاريع تنويرية. ليأت فيلم “الجحيم” خيبة ثالثة للسينما فيما يتعلق بسلسلة “براون/ هانكس/ والمخرج رون هاوارد” وانتصار للرواية أقله في هذه الجولة.
المحررة الثقافية