ثقافة

أرنــســت هــمـنــغـواي شـــاعـــراً

عندما يذكر اسم “همنغواي” 1899-1961-تتبادر إلى الذهن مباشرة أسماء رواياته العظيمة “الشمس تشرق أيضا-وداعا للسلاح-لمن تقرع الأجراس- الشيخ والبحر” فالرجل عرف واشتهر كروائي لايشق له غبار، غير عن الكثيرين قد لا يعرفون أن “أرنست همنغواي” بدأ حياته الأدبية شاعرا وإن “ازرا باوند” قال عنه:”إنه يكتب شعرا جيدا جدا وهو صاحب أفضل أسلوب نثري في العالم”.
شأن “همنغواي” مع الشعر والرواية، كشأن العديد من الروائيين العالميين وفي مراحل زمنية مختلفة”جيمس جويس- وليم فوكنر-سكوفيتز غرالد-هرمان هسه وغيرهم” -وهم بالمناسبة من أنجح الروائيين العالميين حتى اللحظة، وكأن السر في كون كل روائي هو شاعر عظيم، وليس كل شاعر عظيم روائي، هو أنه بدأ حياته الإبداعية بالخيال، الخيال الشعري الذي باستطاعته، أن يحيل كل المستحيلات إلى ممكنات، حتى الحياة بعد الموت- فلقد كتب صاحب “لمن تقرع الأجراس” مجموعة من القصائد التي لم تكن معروفة سابقا، حيث قام بنشر خمس وعشرين قصيدة فقط خلال فترة حياته، حتى أنه كان منتجا كشاعر على نحو أكبر مما هو معروف عنه، فمن بين القصائد الثماني والثمانين التي كتبها بين أعوام 1912-1956- كانت “72” قد كتبت قبل 1929 حينما نشر روايته “وداعا للسلاح” لكن “شاعر شيكاغو الشاب” خبا عندما برز المبدع الروائي فيه، ومنذئذ تحول اهتمام القراء بـ”همنغواي” إلى الروائي والأسطورة، وتم نسيانه كشاعر.
يعكس كتاب “ارنست” الأول “ثلاث قصص وعشر قصائد” الذي نشره عام 1923ملامح موهبته الفذة، بالرغم من عنصر المحاكاة الواضح فيه، وقد تجلت هذه الموهبة في القصائد التي كتبها بين عامي1920-1921، وكانت “هادلير يتشارسون” -زوجته الأولى- ملهمته فيها، وعندما زار باريس 1922 التقى “جيرترود شتاين” وأصبح خلال فترة قصيرة مريدها، حيث أثرت أعمالها وآراءها تأثيرا قويا على الشعر الذي كتبه آنذاك، بيد أن التأثير الأكبر كان ذلك الذي مارسه “إزرا باوند” الذي ساعد “همنغواي” على نشر قصائده وأحب فيها اللغة الدقيقة والانطباعات البصرية التي جاءت قصائد ارنست زاخرة بها، وفي رسالة وجهها “همنغواي” لأحد أصدقائه ذكر فيها علاقته بـ “أزرا” قائلا: هو يعلمني الكتابة وأنا اعلمه الملاكمة.
أدت القصائد التي كتبها “همنغواي” في باريس خلال العشرينيات، وظيفة “التمرينات الأسلوبية”، وقد وفر له “كبلنغو لاردنر” فرصة الإفلات من سأم الثقافة الغربية وأبعدته “شتاين” عن التقليد وساعده “باوند” على التخلص من سذاجته الأدبية، ومما يلفت الانتباه أن “همنغواي”، اكتشف بعد أن هجر الصحافة 1924- وعاد من تورنتو إلى باريس وهو كاتب رواية، لكنه بقي يكتب الشعر وينشره غالبا في “المقتطف النموذجي” التي كانت تنشر للعديد من الشعراء ومنهم “جيمس جويس”.
تنقلت قصائد “همنغواي” مثل مبدعها، فمنها ما بقي منسيا ومنها ما بقي في باريس وبعضها تم إنقاذه من بيته في كوبا، وفيما يلي قصائد كتبها الشاعر همنغواي، قبل أن يصبح روائيا.

أسرى
البعض جاءوا مقيدين/غير نادمين/بيد أنهم مرهقون/حتى لم يبق سوى التعثر/انتهى التفكير والبغضاء/انتهى التفكير والكفاح/والتراجع والأمل انتهيا/وهكذا هذه الحملة المديدة/تجعل الموت يسيرا.
شيكاغو 1920-1921

سطور إلى سيدة شابة
عبر الإيقاع الحاد والخافق/كنت تتمايلين وتدورين/برشاقة وثنية تواقة/طيران نائمان يتعانقان في قفصهما/وأنا أرقص مع امرأة من المدينة/شيكاغو 1920.

رغبة
الرغبة وكل الأوجاع اللذيذة النابضة/الآلام الرقيقة التي كانت أنتِ/ كلها ذهبت إلى الظلمة الحزينة/الآن في الليل تأتين عابسة/كي تنامي قربي، حربة باردة وقاسية، طعنت روحي الخافقة والحادة.

تمّام علي بركات