حاول ما شئت..
بشرى الحكيم
بالطبع حتى الحجر لم ينجُ من عمليات النحر والذبح وقطع الرؤوس “الموهبة التي تخصصت بها أيدي غزاة العصر الدواعش” إذ ورد على صفحة إحدى الصالات المتخصصة بالمزادات أنه تم بيع قطعة أثرية لرأس سيدة تدمرية بالحجم الطبيعي؛ مقتطعة من منحوتة “الوليمة الطقسية التدمرية الشهيرة” وهي واحدة من منحوتات كثيرة شاع وجودها في المدافن التدمرية، المهم في الأمر هو ادعاء الصالة أن القطعة مستوردة بشكل رسمي وأوراق نظامية من “إسرائيل” وما بين اللص البائع واللص الشاري، ما لا نعلمه إلا أن المعلن أن ليس في الأمر “اعتداء أو سرقة أو انتهاك” لأملاك الغير، بالطبع هي لست الحالة الأولى.
بالأمس وبينما مقدم نشرة الأخبار في إحدى الإذاعات العربية ينهي خبر الاعتداء الإسرائيلي الأخير بالقول أن الأمر تم دون أن تنتهك إسرائيل حرمة الـتراب السوري، تداعى إلى رأسي ما حدث قبل عشرين عاماً، وتذكرت كيف يمكن لصوت قضم متواتر منتظم أن يوقظ النائم في أول غفوته، والصوت كفيل بأن يجعلك تتعامد مع فراشك متيبساً، هل ينقص هدوء الليل سوى، جرذ في المنزل؟!.
عملية البحث والتقصي لم تكن طويلة أو مضنية، فسرعان ما التقطت أول الخيط “كانت لي جارة تحب أن تدعوني بالجستابو؟” كان الجرذ المتسلل عبر تمديدات الخزانات، مستبيحاَ سقيفة البيت! المكتظة كما العادة مدفأة قديمة، حقائب ليست للاستخدام الدائم، مرطبانات للتموين فارغة أو ممتلئة، والأهم مجموعة من الكتب لم تتسع لها جدران البيت اصطفت على رفوف معدّة على جدران السقيفة، في الصباح كان الاعتداء قد طال كل الموجودات المطاطية والورقية بالطبع، والقضم نال من أطراف الكتب جميعها، للجرذ أيضاً جسد مطاطي عجيب.
تضمنت عملية رد الاعتداء كل وسيلة متاحة بدءاً من سم الفئران المتعارف عليه، مروراً بالمصيدة التقليدية، وصولاً إلى اللاصق الذي كان اختراعاً حديثاً، بالإضافة إلى وسائل الاستدراج والجذب من ولائم المشهيات من الجبن والزيت البلدي حصراً، باءت بالفشل جميعها، فلا المصيدة نالت من ضخامة الحجم؛ ولا تمكن اللاصق من التقاط الجسد المطاطي الذي كان يتطاول حتى يتجاوزه وصولاً إلى الوليمة اليومية التي اعتادها الزائر المتسلل.
بعد عدد من الاستشارات لأصحاب الاختصاص تبين أن لكل معتدٍ ما يردعه، وأن القضاء على الجرذ يتطلب معاملته كما فئران الحقل، والسلاح في وجهه وجبة وحيدة من الجوز والزيت مع حبة بلون أزرق من “السم القاتل” يتناولها ويرحل قبل أن ينفق مسرعاً يخبر أقرانه أن المكان “المنتهك” بات مقتلهم المؤكد.
هلك الجرذ، ومشهد غزاة العصر بأسنانهم قد التقطوا الثوب يهرولون هاربين تملأ الشاشات، وليهود الداخل والإخطبوط الذي يحاول التسلل التفكر في كل حين أن “حاول ما شئت فأنت لا بدّ يوماً زائل”.