ثقافة

“عصــا الجنـــون”.. قصص حزينــة بنكهــة العــراق الحزيــن

في مجموعته (عصا الجنون) الصادرة عن دار (ميزوبوتاميا) في بغداد – الطبعة الأولى عام 2015 تقع المجموعة في 169 صفحة من القطع الكبير وضمت بين دفتيها 23 قصة قصيرة وقصص قصيرة جدا, من عناوين المجموعة “امرأة ذات شأن, اجتياز العتبة, شمس ساطعة كالفضة, عصا الجنون, الطاووس, كاتم الصوت, البرابرة قادمون, أبواب وممرات رجل القارب, الخ”.

في هذه المجموعة سنجد ذاتنا أمام قصص تختلف إلى حد لافت للانتباه جدا, عن عدة أساليب وطرق ومدارس ألفناها في فن القص، هذا الفن الصعب والجميل, لغة شفافة خاصة, تقننيات تنتمي لمدارس فن القص الحديث, السرد والتكنيك العالي واللعب على اللغة بمهارة المتمكن من أدواته القصصية, يضاف لذلك تلك الشيفرة غير المستعصية على من أراد الولوج لمتن وعمق القصة التي يكتبها أحمد خلف. يستخدم القاص في مجموعته هذه طريقة خاصة في سرده القصصي, حيث نجد أن روح الروائي تنسل أحيانا في بعض المشاهد القصصية لتبرز قليلاً، وأحيانا كثيرة نجد أن لغة القص هي السمة الأبرز في المجموعة, وهو تكنيك ينم عن ذكاء ومقدرة في اللعب الجميل على النص.
شخصيات أحمد خلف, وان كانت تنتمي للواقع وهي ليست مستوردة من المريخ, شخصيات من لحم ودم, بيد أنها شخصيات بلا أسماء, وهذا الأمر غير مألوف عند العدد الأكبر من القصاصين العرب, – وجدت ذلك في مجموعة د. أنطوان أبو زيد, في مجموعته القصصية, “زهرة المانغو”-
على أية حال إذا كانت شخصيات مجموعة (عصا الجنون) بلا أسماء هذا لا يعني أنها بلا ملامح وبدون هوية, أو غير فاعلة أو غير موظفة بدارية العارف لها, أقصد مبدعها أحمد خلف, بل هي شخصيات بعيدة عن الأنا الفردية منتمية للأنا الجمعية, هي  شخصيات تنتمي لواقع مرير مكسور وجريح ومطعون في الصميم, شخصيات تتجرع قسوة القدر والظروف منبثقة من بيئة العراق وحزنه الذي لايشبه أي حزن عربي, هي شخصيات منبثقة من قلب المجتمع الذي تنتمي إليه, وتتفاعل معه وتعبر عنه بكل صدق ومرارة, في معظمها يكون القاص هو المتحدث باسم بطل القصة, ولا يحمله وعيه لبطل قصته بل يتركه يتصرف ويقول مقولته, بما يخدم فكرة القصة أو ما ترمي إليه, يضاف إلى ذلك أنه ليس دكتاتوراً يمارس وعيه المعرفي على بطل قصته. هو إذاً لايحمّل وعيه ببعده الفكري والحياتي لشخصية هي من الشخصيات المسحوقة والمغلوب على أمرها, وهو أيضا ليس ذاك المتساهل مع أبطاله, انه يمارس تقنية العدل, وهمه الأبرز تقديم الفكرة الأساسية لقصته التي يرويها لنا, هو متصالح مع أبطاله تماماً, هذا ما بدا لي في ماقرأت.
قصص هذه المجموعة بكليتها مكتوبة بلغة  قصصية فيها الكثير من التفرد والتميز, وذاك الانزياح اللغوي المدروس بحرفنة المتمرس والعارف, من حيث المفردة وبناء الجملة, وبنية النص عموماً. هي لغة غير استعراضية وليست شاعرية تنأى بالنص القصصي عن هدفه, وتدخل القارئ بمتاهة البحث عن الحدث القصصي وسيرورته, إنها لغة أحمد ذاته تلك اللغة المنتمية لقاموسه اللغوي الخاص به، تلك اللغة التي أجزم أن القارئ اللماح سيتعرف عليها فيما لو عقد شراكة مع النص, أليس القارئ الذكي شريك للمبدع؟. السمة العامة لهذه القصص وهي الأهم أنها تنتمي بالدرجة الأولى لمجتمعها, مجتمع العراق وقصص العراق وما حدث وما يحدث للعراق, هي قصص طغى عليها الترميز، أي يمكننا القول أنها قصص رمزية, وقصص استخدم فيها القاص السوريالية والغرابة, قليل من الواقعية كثير من الفانتازيا, دون أن تدخل ضمن إطار الطلسمة.
في قصته (عصا الجنون – ص82), التي تتحدث بطريقة رمزية سريالية تعي ماترويه عن غزو العراق, لكن على طريقة أحمد خلف.
“لاذ الناس بالفرار لما تقدمت مصفحة أجنبية, يا للمدينة المستباحة المنتهكة, وأشار الجندي الرابض فوق المصفحة بيده على المارة:  تفرقوا يا أولاد الهرمة وكان يرطن بلغة أشبه بالعويل, أو انثيال الرمل على الرأس. ص 83 .  في قصة الطاووس: ص 98, هي الأكثر وجعاً ونزفاً وألماً عما تعرض له العراق من خراب ودمار, وثمة توظيف للطاووس ومحاولة لأنسنته  وترميز الطاووس وهو الرمز الأكثر دلالة على غطرسة الأمريكي في غزوه للعراق. على حين أن قصة (خارج الطوق) ص 66 الشيقة فيها مايشبه السيرة الذاتية للمؤلف.
يباغتنا القاص في نهاية قصصه بتلك الخواتيم غير المتوقعة, هي نهاية مفتوحة. وفي نهاية المجموعة ثمة قصص قصيرة جداً, أيضا هي متفردة, مجموعة عصا الجنون جديرة بالاهتمام وبوقفات أطول وهي تقرأ بكثير من الشغف.
أحمد عساف