ثقافة

أرمن سورية.. يداً بيد لبناء المستقبل المشترك

أُقيمت في مكتبة الأسد بدمشق الاحتفالية الثقافية الأرمنية التي تكاملت أبعادها بين الموسيقا والرقص الشعبي والسينما التوثيقية والنقد، وتخللها توقيع كتاب د.سركيس بورنزسيان (أرمن دمشق).
تتبع هذه الاحتفالية الكبيرة لفعاليات يوم الثقافة، لاسيما أن كتاب “أرمن دمشق” من منشورات وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب، وقد طغت روح التفاؤل على أجواء الاحتفالية بانتصار سورية وانتصار الأرمن المتأصلين في سورية، والذين يعود تاريخهم فيها إلى زمن الأمويين، هذا هو المحور الأساسي الذي انطلق منه الباحث د. بورنزسيان في تأليف كتابه، فالأرمن ليسوا دخلاء، بل هم مكوّن أساسي من مكونات المجتمع السوري حافظوا على هويتهم ولغتهم وثقافتهم وتراثهم، ومارسوا طقوسهم بحرية، وفي الوقت ذاته ساهموا في إغناء الثقافة السورية عامةً بكل ألوانها والثقافة الموسيقية خاصة.

كوميداس وطائر السنونو
لقد أوحت الفقرات الثقافية بدلالاتها ورموزها ببداية صفحة جديدة للأرمن السوريين المتمسكين بوطنهم سورية، والمصممين على النصر ومواجهة الإرهاب، ابتداء من لوحة الرقص الشعبي التي قدمتها فرقة ميغري بإشراف آزاد سيفريان، للفتيات الصغيرات المرتديات الأثواب الزرقاء والبيضاء والمتصفة بالإيقاع السريع والحركة النشطة الموحية بحبّ الحياة وإرادة التمسك بها، وكانت روح كوميداس الموسيقي الأرمني حاضرة في الاحتفالية من خلال اللوحة الموسيقية الثنائية التي قدمتها العازفتان جانيتا وسيرلي بورنزسيان على البيانو والكمان بمقطوعتين، الأولى بعنوان طائر السنونو وترمز من خلال لحن الكمان الحزين إلى الحبّ والحنين، بدأت بمقدمة موسيقية للبيانو ثم الكمان ليطغى صوته المنخفض والحزين ثم تتم المشاركة بين البيانو والكمان وتنتهي بقفلة الكمان، في حين جاءت المقطوعة الثانية بإيقاع موسيقي مغاير تتبع للحركة حيوية نشطة وإيقاع راقص وجمل لحنية قصيرة، وهي رقصة شعبية اسمها نازان.

تطور مخيمات الأرمن
وقد شغل المشهد السينمائي التوثيقي حيزاً من الفعالية من خلال عرض صور موثقة تضمنها كتاب الأرمن عبر فيلم قصير تميّز بموسيقاه التي ترجمت معناه بمقارنة بين الماضي والحاضر، فمع نغماته الحزينة بدأت صور المخيمات البدائية الأولى وتطورها وصولاً إلى الأحياء الحديثة للأرمن، كما جسد الفيلم صوراً للحياة الثقافية والاجتماعية التي عاشها الأرمن في دمشق.

الاندماج بالبيئة
ورأى مطران الأرمن الكاثوليك في دمشق  هوسيب أرناؤوطيان أن شعباً بلا ذاكرة هو شعب بلا هوية ولا مستقبل، وهذا ما أراد أن يعبّر عنه الكاتب ويصفه لنا، إضافة إلى تناوله الإبادة الأرمنية في كتاب أرمن دمشق الذي تميز كما قال بالرصانة والجدية، وبتنوع المصادر، ودلّ على حبّ المؤلف والشعب الأرمني لسورية، وتحدث عن شخصية الأرمني الدمشقي المتصف بالصدق والإخلاص واندماجه بالبيئة الدمشقية المعتدلة.

فتح الباب للمزيد
وبيّن السفير الأرمني د. أرشاك بولاديان من خلال ثقافته بعلوم التاريخ أن الكتاب قيم جداً من حيث المعطيات التاريخية والمواد الأرشيفية، ونجح بسرد تاريخي لأرمن دمشق منذ البداية حتى النهاية، وقدم نبذة تاريخية عن عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، مؤكداً أن الكتاب يمثل جزءاً من تاريخ الأرمن في دمشق وسيغني المكتبة العربية، ونوّه إلى أن هذا الكتاب فتح الباب لتأليف المزيد من الكتب.

بعيداً عن البكائية
وقدم د. إسماعيل مروة مادة نقدية عن الكتاب فانطلق من نقطة هامة أن  الأرمن متأصلون في سورية يعود تاريخهم فيها إلى عهد معاوية بن أبي سفيان، وهم جزء من مكونات المجتمع السوري وتوسع وجودهم بعد لجوء كثيرين من الأرمن الذين نجوا من هول الإبادة. والفكرة الهامة التي توقف عندها د. مروة أن الباحث مثّل خلود شعبه ولم يتكلم عن الإبادة الأرمنية من منظور البكائية والمظلومية حتى في وصف المخيمات، وأوضح الدور الريادي الذي قام به الأرمن في مختلف المهن والصناعات، ودورهم البارز في إغناء الثقافة السورية الإعلامية والمسرحية والتشكيلية والسينمائية، وتوقف عند مهن برعوا بها وعلى رأسها التصوير، إضافة إلى كثير من الصناعات مثل صناعة الأمشاط. وثمّن موقف د. سركيس بورنزسيان الذي أصرّ على طباعة الكتاب في وزارة الثقافة قائلاً “أنا سوري وعليّ أن أقدم ذاتي من خلال مطابعها”.

حقيقة وجود الأرمن
وركز د. سركيس بورنزسيان على المحور الأساسي للكتاب وهو تاريخ وجود الأرمن، وتصحيح معلومة غدت مألوفة بأن الأرمن قدموا إلى دمشق قبل مئة عام فقط إثر جريمة الإبادة، وهذا ينافي الحقيقية بالبراهين والأدلة من المراجع التاريخية بأن الأرمن كان وجودهم في دمشق منذ مئات السنين، لذلك تحدثت في الكتاب عن إنجازاتهم الحضارية والثقافية وسلطت الضوء على مسار قوافل المهجّرين وواقع مخيمات الأرمن ونقاط تجمعهم.

لغة الضاد
وأشار معاون وزير الثقافة بسام أبو غنام إلى أن الاحتفالية اليوم تتضمن الاحتفاء بهذا الكتاب الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، كما تطرق إلى العلاقات التاريخية الأرمنية السورية المتجذرة عبْر عهود من الزمن كما جاء ثوثيقها في كتاب أرمن دمشق، وأوضح الدور الثقافي والحضاري الذي قام به الأرمن وكيف اندمجوا مع المجتمع الدمشقي وتكلموا لغة الضاد.

نحن جزء من الوطن
واختُتمت الاحتفالية بإشادة المطران آرماش نالبنديان بصمود سورية وصمود الأرمن الذين هم جزء من الشعب السوري، وأضاف بأن الأرمن قدموا الكثير لسورية التي أعطتنا القيامة والحياة في كل المجالات الصناعية والاقتصادية والثقافية إضافة إلى كثير من المهن واليوم نقول: نحن جزء من هذا الوطن نحن أرمن سورية نعيش ونفتخر بصمود الشعب السوري ونتألم لما حدث لسورية التي تواجه الإرهاب، فنحن في خندق واحد ونتصدى لعدو واحد، فاليوم نعبر عن انتمائنا لسورية ونصمم على إعادة إعمار بناء سورية من جديد يداً بيد مع أبناء الشعب السوري خلف القيادة الحكيمة للسيد الرئيس بشار الأسد، وبتضحيات وإنجازات الجيش العربي السوري وكما كنا سنظل أرمن دمشق.

أفراد فاعلون
وبعد انتهاء الاحتفالية قام د. سركيس بورنزسيان بتوقيع كتابه، وعن الفعاليات الثقافية في سورية تحدثت د. نورا أريسيان عضو مجلس الشعب لـ “البعث” أن هذه الفعاليات أصبحت تشكل فسحة أمل للجميع، مؤكدة على أهمية رعاية وزارة الثقافة لحفل توقيع الكتاب، الذي يؤشر على تشجيع الكتاب في البلد، وشكرت الهيئة العامة للكتاب على عملها المستمر رغم سنوات الحرب وعلى تبنيها كتاب أرمن دمشق، ومساهمتها بنشر الحقيقة بأن الأرمن في دمشق جزء من المجتمع السوري، وهم أفراد فاعلون ويشعرون بمسؤوليتهم تجاه بلدهم ومدينتهم.
ملده شويكاني