ثقافة

قلب ناصع الحزن

بأظافرها (المعمدة) بصلصال حواء, غازلت نافذتي, خلت ذلك صديقي المطر فرحت قليلا.
أعادت فعل ذلك ثانية, خلته عصفوراً تاه عن نوافذ أيامه, في غفلة من أمه, ابتسمت وتابعت نومي .
في المرة الثالثة أيقنت أن ما يحدث هو إيقاع أناملها, الذي لا يخطئه قلبي أبداً.
نهضت فتحت الباب, على عتبته قبلتها قبلة طويلة, فهبطت على بوابة قلبي واحة من الياسمين.
على شرفة قلبي, أقصد سريري جلست, أشعلت صباح قلبي بسيجارتها, ونفثت أيامي دوائر من دخان رسمت وجوهاً مطلسمة. ثم غرستهما في بياض روحي, ورشفتني فنجان قهوة داكن اللون.
يا لروعة هذا الصباح, قلت بيني وبيني, كنت ظامئاً جداً, بيد أن رضابها العذب رشق شهده شوقي للغدير المغروس في إحساسي الموغل بالظمأ. تحولت إلى عرّاف, قرأتها في فنجانها, وقلت لها ما قلت.
ظهراً تأملتها  ملياً, تأملت عينيها  اقتحمتهما بكثير من الشغف, فاكتشفت قارة غامضة.
حين قررت الغوص فيها أكثر, غاصت عيوني بملح الدمع, لكنني  تحليت ببعض الصبر, واكتشفت أن عينيي كثيراً ما تخدعني.
حين أرى كواكب البراري نيازك تلتقط للعشاق صور في عتمة احتمائهم بلحاء الشجر…, كي تزرع وساداتهم بالقلق والهذيان والحنين, كيما يذوبوا أكثر في حنينهم  إلى لحاء الشجر.
عصراً، دنوت منها, وهي اقتربت مني أكثر, همست في أذني اليسرى: “أحبك” انتفض قلبي مرتين وابتهج, لست أدري لماذا أدركت حينها, أن حاسة السمع هي أصدق الحواس وأنبلها. ولماذا ودون أن ندري نصغي للذين نحبهم بالأذن اليسرى؟ ولماذا أنين الكمان ينبعث كملاك ناصع اليقين, من الجهة اليسرى ؟ ولماذا سر القصب يسكن خاصرته اليسرى؟ ولماذا القلب في يسار الجسد, وأيسر الروح؟! ولماذا المرأة دائماً هي في أيسر ميناء القلب؟ ولماذا الأم دائماً, تهدهد سرير طفلها بيسارها؟.
وحين (مرّغت أصابعي) ( بكستناء ) حناء شعرها أدركت أن للأصابع متعها, حين تمسح الدمع عن الخدود والجفون، حين تبدو أكثر صدقاً, من أن تخط رسالة غرام.
أبعد من العصر بقليل, اقتربت منها فاحت رائحة عطرها, حينها أدركت أنَّ لي أنفاً, وأني أمتلك حاسة الشم, في تلك اللحظة, تغلغلت تلك الرائحة إلى تلافيف دماغي وسكنتني حتّى النخاع.
في الهزيع الأخير انطرحنا, مثل طعينين بكثير من نجوى القصب, ونمنا ونحن نمشط أهداب الفجر.
في الصباح التالي، صديقي المطر لم يدغدغ نافذتي, وذاك العصفور التائه عن شرفة أمه, لم يدن من زجاج نافذتي.
كانت عادتي حين استيقظ من نومي, أول ما أفعله أتحسس قلبي. تحسسته لم يكن موجوداً, اقتربت من وسادتها, لم تكن موجودة , لاشيء سوى بقايا عطرها.
المرأة لم تفعل شيئاً, سوى أنها أخذت قلبي معها, ومضت لجهة لا أعرفها!
خرجت إلى الشارع مثل مجنون بل أكثر, باكياً وبأعلى صوتي صرخت:  ” يا ناس أستحلفكم بالله,  من يشاهد منكم امرأة تحمل بيديها قلب إنسان ناصع الحزن, مكسور ومتهدم ومقهور, بل مقهور جداً, أن يأتيني بها أو يأخذني إليها”.
أحمد عسّاف