ثقافة

نزيه بدور في مقاربة للشعر السوري من ميليا غروس إلى الماغوط

حاول الباحث د. نزيه بدور في محاضرته التي ألقاها في المركز الثقافي في حمص بعنوان “المدرسة السورية في الشعر من ميليا غروس إلى الماغوط” أن يقارب ما بين مفهوم الجاهلية في الشعر، وبين الشعر كحالة لم تخرج عن حدود القيم الإنسانية الخالدة التي تمجد الحياة وتتمسك بالحب وقدسية الجمال.
قدم بدور دراسته عن الشعر السوري الذي لم تتخلله الجاهلية مطلقاً في عصور سبقت ولادة السيد المسيح، وأن الشعوب التي سكنت اليونان ومصر وبلاد النهرين وفارس تعرفوا إلى الشعر السوري من خلال مدرسته، عبر شعراء سوريين كتبوا أشعارهم بلغتهم الأم وباللغة اليونانية، وتناقل هذه الأشعار ذواقة لهذا الشعر، وبيّن الباحث أن من يقرأ عن هذه المدرسة الشعرية السورية قد يظن أنها تدور عن أدونيس ومحمد الماغوط وغيرهما من الشعراء المعاصرين، لكن شهرتها تماهت مع العصر الهلنستي.
واعتبر بدور أن الشاعر السوري “ميليا غروس” الذي عاش في مدينة تعرف اليوم باسم “أم قيس” وتقع في الزاوية الشمالية الغربية من الأردن، وأمه السورية أكسبته سوريته كون أبيه “أوقراطس” السوري من الأصل اليوناني، وأجاد غروس ثلاث لغات، اليونانية والآرامية والفينيقية وقضى شبابه في مدينة صور، لكنه أمضى معظم حياته في جزيرة كوس اليونانية ورحل عن عمر ناهز الثمانين عاماً، ويقول في قصيدة “زينوفيلا” التي تعتبر من أهم أشعاره لمحبوبته:
“إن الورود قد ذبلت/على جبين حبيبتي الحسناء/أما هي فما زالت مشرقة/لأنها وردة الوردات”.
وفي قصيدة ثانية بعنوان “الكأس”:
“ابتسم الكأس/ وهو يلامس شفاه زينوفيلا التي تقطِّر عسلاً/كم هو محظوظ!
آه لو تضع زينوفيلا شفتيها على شفتي/وتعب روحي كلها بنفس واحدة”.
وتناول بدور الشاعرة السورية “بيليتس” التي عاشت في العصر الهيليني وتنتمي إلى القرن السادس قبل الميلاد وقضت طفولتها في سورية لتنتقل إلى قبرص، حيث تجلى في شعرها قلق الأنثى من خلال الطاقة الشبابية التي تمتعت بها، ونبض قلبها بشعلة الحب التي لن تنطفئ وترجم معظم قصائدها الشاعر الحمصي د. شاكر مطلق، وتقول في قصيدتها “الحبيب الأخير”:
“لا تعبر أيها الفتى دون أن تحبني/فأنا ما أزال جميلة في الليل/وسترى, كم هو خريفي أكثر دفئاً
من ربيع أية امرأة أخرى!/لا تبحث عن حب العذارى/فالحب فن عسير/الفتيات لا يعرفن عنه غير القليل/ولقد تعلمته طوال حياتي/لأمنحه لحبيبي الأخير”.
وتطرق الباحث إلى الشعر الجاهلي من خلال عنترة العبسي، وبعد ذلك قدم قراءة حول شعر الماغوط الذي ترنم بشعره الحر بروح الشاعر السوري القديم الذي اختزله بفكر إنساني، وتحرر الماغوط من القوالب الشعرية القديمة وقدم نصوصاً قابلة للترجمة إلى جميع اللغات، وبدون أن تفقد بترجمتها إلى أية لغة البريق والتوهج الشاعري الذين تحويهما.
وأكد بدور على عدم إهمال الإضافات التي قدمتها كل الثقافات التي احتضنتها الأرض السورية وحضاراتها العريقة، لأن البصمة السورية ما زالت تكتنف كل الآداب والفنون فالسوريون أبدعوا بالآرامية واليونانية واللاتينية واختتموها بالعربية .
لقد أظهرت محاضرة الباحث بدور مقدرة الشعر السوري القديم على البقاء طويلاً، وأن الشعر المعاصر هو الامتداد الطبيعي لهذا الشعر وعلى الأخص القصيدة التي تحررت من مغبة الوزن والقافية، في محاولة لتأكيد أن للشعر السور جذوراً لا يمكن لأي شخص إغفالها، فهو يمتلك المرتكزات الحديثة التي تمضي بعمق نحو الشعر الحديث ومفرزاته.
نزار جمول