ثقافة

“هنومة” التي تطايرت كما أحجار المخيم

“هنومة” القصة القصيرة التي قرأها د. حسن حميد في إحدى فعاليات معرض الكتاب في مكتبة الأسد، وتداخلت فيها مقولات شنوة مع مرض إبراهيم مع غياب هنومة، لتلتقي بعتبات السرد ماهية الحلم والواقع وجدلية الموت والحياة مع جمالية توصيف المكان لذاك البيت الذي تسكن فيه هنومة، “وأنا قرب الزاوية الحجرية، كنتُ طيّ وحدتي لا أحد معي سوى أسئلتي ونداءاتي..حين شقت هنومة الباب العسلي”، هنومة التي عاشت لقاءات خاطفة عند الباب وخلف الجدار الحجري طارت كما طارت منازل المخيم كما طارت أم إبراهيم إثر دويّ حوّل المخيم إلى أكوام حجارة اختزلت حكايات وأسراراً وقصص حبّ، ولكن بقيت دالية العنب إيماءة رمزية إلى الاستمرار والتوالد وإعادة نبض الحياة في أرجاء المخيم.

قصة هنومة التي تميّزت بالقفلة المدهشة المثيرة والمؤلمة في آن واحد ذكرتني بكتاب الناقد الراحل بشار إبراهيم “المخيم في الرواية الفلسطينية” والذي تناول فيه صورة المخيم وطبيعة الحياة في أزقته وزواريبه من زوايا مختلفة، كما جسدها الروائيون الفلسطينيون في صياغاتهم وفق سلسلة خطوط تاريخية واجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، فتطرق إلى توثيق الروايات التي كان محورها الأساسي المخيم فرصدت تفاعل المخيم إزاء الأحداث التاريخية والسياسية التي شكّلت تطورات في مسيرة القضية الفلسطينية، لتقابلها روايات كان المخيم جزءاً من مضمونها وأحداثها، وفي جانب آخر حضرت بعض الأعمال الروائية التي جسدت واقع المخيم داخل الوطن المحتل لتتقاطع جميعها في جوانب حياتية واجهها الفلسطينيون ولازالوا.

والأمر اللافت أن هناك جسر تواصل بين هنومة ورواية د. حسن حميد “تعالي نطير أوراق الخريف” والتي صنفها الكاتب إبراهيم ضمن روايات المخيمات، لتبدأ من لحظة وصول اللاجئين الفلسطينيين من وطنهم إلى المكان الذي سيشهد فيما بعد نهوض مخيم جرمانا، ليمضي مع عناصر الطبيعة التي هاجمت المخيم، إلى واقعة تأسيس مقبرة بالمخيم مع تسجيل أول واقعة موت، لينتقل د. حميد إلى تصوير نماذج مختلفة من الحياة الاجتماعية منها عمل النسوة في جمع الخضار من بستان الدبوسي القريب من المخيم، ليتوقف عند عمل بعض النسوة في بيوت الشوام والذي جرّ برأي الروائي الخراب على المخيم وسبب انهيار بعض القيم، تطرق أيضاً إلى ظاهرة التساكن والتمازج بين اللاجئين الفلسطينيين وأشقائهم العرب، وبقيت الذاكرة الفلسطينية حاضرة في أماسي المخيم، ويظهر المخيم من زوايا مختلفة ليخلص الروائي إلى أن المخيم عالم”محشو بالحزن والتنهدات والغصات والمآسي” وتتضح أكثر تفاصيل حياة المخيم اليومية من خلال الأزقة والشوارع، لكن الحدث المتكرر بين الرواية وهنومة والواقع الذي عاشته سورية خلال سنوات الحرب كان في صورة الشهيد ووصول جنازته، لتتحول المقبرة في الرواية إلى مقبرة مليئة بالشهداء الأحياء كحال المقابر في سائر مناطق سورية، وكما دعا د.حسن حميد أهل المخيم في روايته إلى انتظار صباح آخر، سورية أيضاً تنتظر صباحات مشرقة باتت ألوانها وتغريدات عصافيرها تلوح في الأفق.

ملده شويكاني