في معرضها في دار الأسد جانان جان: “رولييف”.. رسالة حب ومحبة وسلام لسورية
مع أنها المرة الأولى التي تلتقيها، إلا أنها تستقبلك بحفاوة وكأنك صديقها منذ الأزل، وترحب بك بلغة عربية “مكسرة” تصر هي على أن تأخذ منك اعتراف أنها “لغة جيدة” ويحزنها أن لا يفهم محدثها بعض الكلمات، فهي اللغة التي تعشقها والتي تعلمتها في قسم اللغات في كلية الآداب بجامعة دمشق، وفي معهد اللغة العربية لغير الناطقين بها وهي المقيمة في سورية منذ عام 1995، إنها الفنانة القبرصية جانان جان التي تعلن حبها لسورية في أي حديث تدلي به، وتؤكد على الدوام “سورية وطني الثاني”، ولذا جاء معرضها الفردي الأول “رولييف” الذي أقيم مؤخراً في دار الأسد للثقافة والفنون مغزولاً بالحب والسلام، وممزوجاً بحروفيات الخط العربي والآبرو والزخرفة وناطقاً بالفن والإبداع.
جان التي التحقت بجامعة معمار سنان للفنون الجميلة باستانبول في قسم الديكور الداخلي، واهتمت بالفنون الجميلة أثناء دراستها عملت فترة في التصميم المعماري الداخلي في تركيا، وقامت كمدربة للتأهيل وتطوير المهارات اليدوية لدى الشباب في العديد من الجمعيات المدنية في تركيا (قبرص) وفي ماليزيا، وقد تعلمت فن الآبرو (الرسم على الماء) على يد الأستاذ القدير فؤاد باشا والأستاذة هولياء ايلتر، وكذلك درست الرسم في مركز إسماعيل للفنون التشكيلية في 2013 وحصلت على شهادتين في الخط العربي والزخرفة عام 2015 من مركز أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية.
لا علاقة له بالصوفية
“البعث” التي زارت المعرض التقت بالفنانة جان ووقفت على تفاصيل لوحاتها وعشقها لدمشق، تقول جان: المعرض هو طاقة حب ومحبة وسلام وعطاء بعيداً عن أي رسالة دينية أو صوفية فهو تحت عنوان “محبة وسلام من قبرص إلى سورية الحبيبة” وعلى الرغم من احتوائه لمجموعة لوحات مولوية، ولكنه يتناول الإنسان بعيداً عن الدين فكل الأديان مشتركة بفكرة الحب، ولذا جمعت جان بين الرموز الدينية المختلفة (الجامع والكنيسة) وكذلك بين علم وخريطة سورية مع علم وخريطة الدولة القبرصية كدليل على الحب والتوافق والانسجام بين موطنها الأصلي ووطنها الثاني. ويتضمن المعرض أيضاً لوحات حروفية وأخرى مستوحاة من ثقافة سورية (السيف الدمشقي، المسجد الأموي، صلاح الدين) ومدن سورية كانت قد زارتها جان لما لها من قيمة تاريخية عريقة (تدمر، معلولا، حماة، دمشق) وكذلك لوحات ورود ورقصات وعلامات موسيقية.
رولييف وآبرو
مع وجود بعض اللوحات الكلاسيكية إلا أن الدمج يبرز بشكل واضح في لوحات جان التي دمجت فيها بين فن الآبرو “الرسم على الماء” والرولييف “الرسم على القصدير” موضحة أنها الأولى التي دمجت بين هذين الفنين كتجربة في لوحاتها، على الرغم من كونهما مختلفان عن بعضهما حيث تشير جان إلى أن الرولييف هو فن قديم يعتمد على القصدير فقط وله أدواته الخاصة (قلم خشب خاص، إبرة، قصدير) وهي مواد غير متوافرة في سورية، أما الآبرو فهو فن كلاسيكي وزخرفة وقد يكون من سيراميك وخشب وورق وكذلك من الماء والتراب، كما أن الرولييف فن يدوي عملي أما الآبرو فهو فن فقط، ويظهر حرف الواو بشكل كبير في أعمال جان التي توضح أنه حرف ودود ولطيف، وهو دليل على حاجة الإنسان للتواضع، وأن الدنيا متغيرة ودائرية وعلى الإنسان أن يتغير بشرط التواضع مع الحب.
دعم جرحى الجيش
ولأن جان فنانة تعشق سورية لأقصى حد، كان هدف معرضها من وحي هذا العشق وهاهي تلفت إلى أن سورية عانت ست سنوات من الحرب وهناك الكثير من الشهداء والجرحى، وأنا أحيا في هذا الوطن وعليّ المشاركة في تضميد جراحه، وقد شاركت في عدة جمعيات أهلية تعمل مع الوطن ومع الجيش الذي هو شرف الشعب، وبسبب تضحياته نحن نواصل الحياة ونشعر بالأمان، ولذلك فإن هدفي الأول من هذا المعرض هو جرحى الجيش ودعمهم نفسياً وجسدياً ومادياً، وتتابع قائلة: ولأن الرولييف قابل للتعليم فأنا أقدم خدماتي لتعليم الجرحى هذا الفن الذي يمكن استخدامه كمهنة تساعدهم على العيش والاعتماد على أنفسهم، فالرولييف يمكن تطبيقه عبر رسومات معمارية على الأبنية، وكذلك ضمن لوحات، وما أقدمه مجرد محاولة بسيطة لمساعدة جرحى الجيش وتعليم كل من يطلب ذلك.
حب سورية
ترى جان أن الوطن أم ولذلك من المخجل أن يؤذي الإنسان أمه، وسورية هي الأم التي احتضنتني لسنوات عديدة ولا يمكنني التخلي عنها وهجرها في أزمتها، وتمنت السلام لها مؤكدة بلهجتها اللطيفة “أحب سورية” فهي الوطن والحضارة، وعبّرت عن سعادتها باستقبال دار الأسد لأول معرض فردي لها، بالإضافة إلى تلقيها كل هذا الدعم من وزير الثقافة شاكرة إياه على منحها هذه الفرصة لإيصال رسالتها وهدفها.
باستثناء ..
وتنوه جان أنه على الرغم من أن الزخرفة هي فن ولكن الانتساب إلى المعاهد يزيد من الخبرات ويحمل فائدة كبيرة، فالأفكار تتطور وتتغير من خلالها، وأما عن تجربتها في تعلم العربية فتعترف جان في نهاية حديثنا وبكل طرافة أنها تخطت جميع صعوبات تعلم العربية باستثناء واحدة وهي “التمييز بين ضمائر المذكر والمؤنث”.
لوردا فوزي