ثقافة

شيخ المجاهدين سلطان باشا الأطرش في ندوة

ضمن سلسلة “شخصيات وطنية” أقامت أمانة دمشق للثوابت الوطنية أمس ندوة عن المجاهد باشا الأطرش في ثقافي أبو رمانة بإدارة الباحث يوسف مريش وقدمها مدير الهيئة العامة للكتاب د.ثائر زين الدين، حيث بدأت الندوة بعرض فيلم عن المجاهد الأطرش تناولت مراحل من حياته بالإضافة إلى شهادات وإشادات بمسيرته، ومن بعدها استهل الحديث د. زين الدين  بالقول أن صياد المستعمرين وشيخ المجاهدين ورافع أول علم عربي  في سماء سورية قضى سنواته الثلاثة والتسعين في محاربة المحتلين وفي أشكال النضال المختلفة ضد الغاصبين، ولفت إلى أن حادثة إعدام والده من قبل العثمانيين مع عدد من زعماء الجبل تركت أثراً عميقاً في نفسه، وبحصافة وحكمة الزعيم جعل الثأر الشخصي ثأراً وطنياً من الاستعمار كله، وقد شارك في مجموعة الانتفاضات الشعبية ضد الحكم التركي ثم لبى نداء الثورة العربية الكبرى وكان على رأس مجاهدي الجبل فيها، وقد احتفل بهذا الالتحاق بحضور عدد من أحرار العرب ورجالاتها برفع العلم العربي فوق داره في القريّا.

أول علم عربي
وأضاف زين الدين: باشر الأطرش بجمع حملة من الثوار توجه بها للالتحاق بالجيش الفيصلي، ثم واصل زحفه إلى دمشق مع قوات الجيش العربي وقاد معركة تلال المانع التي أسر فيها قائد الحملة، كما كان في طليعة القوات التي دخلت دمشق قبل وصول الملك ببضعة أيام ورفع العلم العربي على دار الحكومة وعلى دار البلدية في ساحة المرجة، بعد حكم تركي دام أربعة قرون وقد عقد الثوار حينها حلقات الدبكة في الساحة وهم يرددون الأهازيج، وأعلن حينها الأطرش تأييده المطلق للشريف حسين.

إجارة المستجير
ونوه زين الدين إلى أن الأطرش هب لنجدة يوسف العظمة في معركته عام 1920، إلا أن المعركة كانت قد حسمت وقال عندها “إن خسارة معركة لا تعني الاستسلام للمحتلين” كما عرّج زين الدين على حادثة لجوء المناضل أدهم خنجر من جبل عامل في لبنان إلى جبل العرب، ومع أن الأطرش كان خارج داره إلا أن أهل الدار استقبلوه، لكن الجنود فاجؤوهم وقبضوا على الدخيل ومضوا به، فخرج السلطان ورجاله مطالبين بإطلاق سراح ضيفهم، وكانت معركة تل الحديد مع المصفحات الفرنسية التي هيأت لثورة استمرت لمدة تسعة أشهر رفضاً للاستعمار وتأكيداً على تقاليد العرب في إجارة المستجير، وحكم عليه الفرنسيون عندها بالإعدام وهدموا داره ثم ما لبثوا أن أصدروا عفواً عنه.

الثورة السورية الكبرى
وأشار زين الدين إلى أنه في عام 1925 قاد الأطرش الثورة السورية الكبرى التي شارك فيها خيرة مجاهدي الوطن وحظيت بإجماع وطني منقطع النظير وخاض فيها أشرف المعارك، وكانت معركة الكفر أولى معارك الثورة التي أبيدت فيها الحملة الفرنسية عن بكرة أبيها، وأصدر حينها الأطرش بيان الثورة التاريخي تحت شعار “الدين لله والوطن للجميع”، ونادى العرب بقوله “إلى السلاح إلى السلاح أيها العرب السوريون” وطالب فيه بوحدة البلاد وتعيين حكومة شعبية على مبدأ سيادة الأمة المطلقة وقد لاقت الدعوة استجابة عارمة اختير بعدها الأطرش قائداً عاماً لجيوش الثورة الوطنية، وانتشرت أنباء الثورة وانتصاراتها في جميع أنحاء سورية وفي أوروبا، وراح الشعراء والوطنيون يتحدثون عنها وعن بطولة قائدها، كما عمت المقاومة أرجاء سورية وانتشرت في البقاع المتاخمة في لبنان.

تشديد الحصار
وروى زين الدين قصة نزوح الأطرش فقال: بسبب تشديد الحصار من الفرنسيين نزح  الأطرش إلى وادي السرحان على أمل العودة القريبة، حيث عانى الثوار وعائلاتهم ظروفاً قاسية، ورغم هذه المعاناة رفض الأطرش استقبال المندوب البريطاني، واستعان بملوك الدول العربية لمتابعة الكفاح، ولكن رغم توقف القتال ظل الأطرش ورجاله أوفياء لمبادئهم ولم تنقطع الصلات بالحركات الوطنية طوال مدة نفيه التي انتهت بإصدار فرنسا عفواً عام 1937عن كل المجاهدين ضمن احتفالات شعبية عارمة .

رمز نضالي
ولفت زين الدين إلى أن جمال عبد الناصر أدرك عظمة الأطرش وعده أستاذاً له ووجد فيه رمزا للنضال القومي العربي، ومثالا للتفاني والإخلاص في سبيل الوطن ولهذا قلده أعلى وسام في الجمهورية العربية المتحدة، ولا يغفل زين الدين صفات الأطرش الشخصية فقد كان رقيق القلب عطوفاً ورب أسرة غيور ومحب لأبنائه، وفلاحاً محباً لأرضه، مؤمناً ورعاً ومحافظاً على التقاليد والعادات العربية الأصيلة، منفتحاً على روح العصر، ومهتماً بالعلم، توفي في عام 1982 في مسقط رأسه ونعاه الرئيس المؤسس حافظ الأسد وكانت جنازته يوماً مشهوداً، إذ حمل نعشه في طائرة حلقت فوق مواقع معاركه ودفن في القريّا، وأقيم حول قبره صرح تذكاري ضم متحفاً للثورة، كما رثاه الكثير من الشعراء والأدباء والسياسيين والإعلاميين وكتبوا عنه، وتلا الندوة عدة مداخلات أبرزها مداخلة الدكتورة ريم منصور الأطرش حفيدة المجاهد سلطان الأطرش تحدثت فيها عن بعض الحقائق والوثائق التي تغيب عن التاريخ.
لوردا فوزي