ثقافة

مـوقـدة!

غسّان كامل ونّوس

انطفأت النار، لم تنطفئ؛ ما تزال جمرة تلونّ المشهد.
وقدة أخرى في الموقدة المطفأة، ولا تشبع، ولا تموت.. والحريق خارجها، والبقايا المتفحّمة تتوّزّع الأحياز.
أنا لست موقدَها، ولا حارسَها، ولا مطفئَها؛ لا لأنّ الحريق ليس في أذيالي؛ بل لأنّه في مكان أعمق، وأشدّ افتراساً، ولا من يطفئه!.
أنا الشاهد الدهريّ المحمّل عبء الخطيئة، ووِزراً لا أعلم إن كان مسؤوليّة الإشعال!
الآخرون غير مهتمّين بمن أوقد، ومن أطفاً، أو لم يطفئ. ينتظرون الوقدة، ويتجاهلونها، وحين تنطفئ، يتعثّرون بالبقايا، ويتركونها تتبعثر في الأركان، وينظرون إليّ؛ كأنّي الفاعل، كأنّي المهمل، كأنّي..
وكيف أنظر إلى نفسي؟! ألست الفاعل، المهمل..؟!
أحاول أن أخبرهم، فيهزؤون؛ أن أدلّهم، فيتّهمون. أوقظهم فيغتاظون؛ لأنّهم يحلمون، أتركهم فيغضبون؛ لأنّهم نهب الكوابيس..
أقول لهم. ويقولون: ألا ترى نفسك؟!
أقول لنفسي، فيشيرون إليّ: يكلّم نفسه!
أحدّق في الموقدة المطفأة، وأبحث عن الوقدة التي ستأتي بعد حين. وأتملّى الأسوار التي تمنعها عنّي، فلا أرى ما بداخلها، ولا أعلم ما فيها، وأشمّ روائح احتراق آدميّة. وأخاف أن أخبرهم فيتّهموني. وأسمع أصوات استغاثات. وحين أصيخ السمع، يقولون: هلوس الرجل. اربطوه؛ فهل ربطوني على منبري الدهريّ، وكوّتي النافذة، أم أنا مقيّد نفسي، ولا أحاول الخروج؟!
ترمّدت وقدة اليوم، وأنتظر وقدة أخرى قادمة، بصبر وجمر..