ثقافة

أبـجـديـة الـرمـوز والإشــارات

لا أعلم بماذا كان يفكر اليابانيون عندما أغرقوا العالم بالعديد من الوجوه الصفراء إضافة إلى رموز أخرى للتعبير عن مشاعر الفرد. وللأسف أن تتحول تلك الرموز إلى بديل عن المفردات الإنسانية واستعمالها بشكل كبير وجنوني للتواصل وللتعبير عن مشاعرنا الخاصة، حتى غدت لغة كونية وكأنه تم الاتفاق عليها مسبقاً..
أنا لا أستغرب في ظل هذا التقدم التكنولوجي المرعب أن تتغير أساليب وأشكال التعبير الكونية، ولكن ما يثير دهشتي كيف بدأت مشاعرنا وعواطفنا تختزل ليعبر عنها بوجه أو صورة، وعلى المتلقي أن يستقبلها بدوره ويفسر الحالة من خلال هذه الرموز ويرد بالمثل وحبة مسك، بوجه أو رمز أيضا دون أن يكلف نفسه عناء الضغط على حرف من أحرف الكتابة، كأن نرسل وجهاً يضحك حد البكاء للتعبير عن حالة معينة، بدل أن نخاطب بعضنا بالكلمات باللغة التي نال بها الإنسان شرف أنسنته..!.
كلنا يعلم أن التطور العلمي وتكنولوجيا الاتصالات وعالم السرعة الذي نعيشه الآن قد فرض علينا مجمل أشياء قبلنا بها (مكره أخاك لا بطل) مبررين ذلك بأننا نواكب تطور الحياة، ومنها تلك الرموز المختلفة والوجوه غير الحقيقية التي تحمل العديد من المشاعر التي لا تعبر عنّا بشكل حقيقي، لكننا نستلطفها فنحن نراها على هواتفنا وفي شبكات التواصل الاجتماعي، كأن تأتيني العديد من باقات الورد الافتراضية على حائطي الفيسبوكي وأنا أحتفل بعيد ميلادي بعالمي الافتراضي الغريب العجيب، أو تشاركني الوجوه الحزينة الباكية أو الضاحكة بدموع على الميلين أو التي تحمل غمزة عين جانبية حالتي التي أحدثها من وقت لآخر.
حقيقة أنا لست بارعة أو حتى أني مبتدئة في استخدام تلك الرموز والوجوه، وكم كانت سعادتي كبيرة عندما شاركتني صديقة غالية على قلبي أميتي بتلك التكنولوجيا المصورة عندما قالت لي ضاحكة (حبيبتي ريم أنا لا أجيد استخدام تلك الرموز الفظيعة، بل إنني أمية في استخدامها..) فأجبتها بفرح: كم هو جميل ومبهج أن يكون المرء في هذا الزمان أميّ بتلك الأشياء وخصوصا إن كان من أمثالك أصحاب الكلمة الحرة والصادقة التي ترفرف فتصل القمم كالنسور من أول خفقة جناحين لها.. وللأمانة هذه الصديقة هي من أوحت لي بفكرة المادة.
تلك الرموز لن ينتهي زحفها أبداً فمازال العديد منها في طور الإعداد للأسف مرة أخرى ليزيد من اقتصادنا في الكلام، واقتصادنا في اللغة واندثارها لأن أغلب الرسائل تكون رديئة لا يهمها سوى سرعة الإرسال وسرعة المشاعر والتعبير وسرعة الزوال..
نقتصد اليوم بكل شيء ونختزل كل شيء لماذا لا أدري..! هل أصبح الاختزال هواية أم لعنة، أم وسيلة راحة ولاسيما أننا نعيش زمن الرداءة بامتياز.. زمن بات فيه من يستخدم عقله ولغته إنسان غير طبيعي متخلف عن ركب الحضارة الآنية تلك..
كم أشتاق لزمن الرسائل الورقية، وكم أحن لرائحة وجمال مرسليها.. رسائل من دم ولحم ولون ورائحة.
أصبحت الرسائل الآن بلهاء غريبة مشوشة، نصفها كلام ونصفها الآخر صور ورموز.. مثلاً  كقلب اصطناعي يفيض منه الدم.. أو سرب من القلوب يتطاير بجنون فيصيبني بالدوار.. أو وجه يبتسم ابتسامة ملوية، وصدقاً حتى اللحظة الكثير من الوجوه ترسل لي لا أعرف كيف أفك شيفرتها ولا أعلم ماذا يقصد أصحابها بإرسالها..!.
تخيلوا أن نستيقظ يوماً ما أمام أبجدية جديدة تقوم على الصور.. تخيلوا لوحة مفاتيح في الحواسيب والهواتف لا يوجد فيها حرف واحد ليستعاض عنها بوجوه وصور بعضها يضحك والآخر يبكي وآخر يرقص وووو.. فنجد أنفسنا قد تخلينا عن الكتابة التي أدخلت الإنسان التاريخ، ونقلته من الشفهي للمكتوب.. تلك الحروف التي وثقت لحظاتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا..
هل سيأتي يوم ونضحك مثل تلك الوجوه بعيون تدمع خجلاً وخيبة وندماً في زمن الإشارات والرموز والتحولات ذاك..؟!.

لينا أحمد نبيعة