ثقافة

الـحـرب والـسـلـم.. تحـفـة “ليـو تولـسـتـوي”

رواية أدبية تدور أحداثها في بداية القرن التاسع عشر مع اجتياح “نابليون بونابارت” للأراضي الروسية، ودخول موسكو وانسحابه بعد الخيبة والفشل في مواجهة الشتاء الروسي القارس، ورفض القيصر الروسي الاستسلام وأول إصدار للكتاب كان في عام 1869.
تعطي أحداث الرواية التي دمج فيها المؤلف شخصيات عديدة رئيسية وثانوية، تاريخية وأخرى خيالية ابتدعها تولستوي نفسه، صورة واسعة وموضحة لحياة الترف التي عاشتها طبقة النبلاء في روسيا في عهد الحكم القيصري، وهناك من يعتقد بأن الشخصيات الرئيسية كبيير بزوكوب والأمير أندريه تمثل أوجهاً مختلفة في  شخصية تولستوي نفسه، وتوصف بأنها واحدة من تحفه الكبيرة، فهذه الرواية قدمت نوعاً جديداً من القصص الخيالية وبعدد كبير من الشخوص في حبكة روائية غطت مواضيع عظيمة أشير إليها في عنوان الرواية، وبعدد كبير من المواضيع الحياتية، ورغم أنها غالبا ما يطلق عليها “رواية اليوم” فقد كسرت العديد من تقاليد الشكل في الكتابة مما جعلها لا تعتبر رواية في وقتها، رغم أن تولستوي كتب معظم الكتاب وبضمنه كل السرد باللغة الروسية، فإن جيوبا هامة من الحوار في كل الكتاب (من ضمنها فقرته الافتتاحية) مكتوبة باللغة الفرنسية، والمتحدثون غالبا ما ينتقلون بين اللغتين في منتصف الجملة. وهذا عكس للواقع ليس إلا، فالأرستقراطية الروسية في القرن التاسع عشر كانت كلها تعرف الفرنسية وتتحدث بها غالبا فيما بينها، مفضلة على الروسية، و”تولستوي” بالفعل يشير إلى أرستقراطي روسي، عليه أن يأخذ دروسا في الروسية ليتقن اللغة الوطنية وبشكل أقل واقعية، فإن الفرنسيين الموصوفين في الرواية ومن ضمنهم “نابليون” نفسه يتحدثون بالفرنسية أحيانا وبالروسية أحيانا أخرى.
وقد تعمد “تولستوي”استعمال الفرنسية لتوصيف المكر والنفاق، “لغة التمثيل والخداع”، في حين أن الروسية تبرز كلغة الصدق والأمانة والجدية، وعندما يتقدم الكتاب فإن استعمال اللغة الفرنسية يتقلص، عندما يطلب “بيير” يد “هيلين” للزواج يستعمل الفرنسية وعندما يظهر الزواج كخدعة فإنه يلقي اللوم على تلك الكلمات، إن الإقصاء المتصاعد للغة الفرنسية من النص هو وسيلة لإظهار كون روسيا قد حررت نفسها من الهيمنة الأدبية الأجنبية.
إن العديد من شخصيات “الحرب والسلم” استندت إلى أناس حقيقيين معروفين لتولستوي نفسه “نيكولاي روستوف وماريا بولكونسكايا” حيث استند الكاتب إلى ذكريات عن أبيه وأمه في حين أن “ناتاشا”صنعت وفقا لزوجته وزوجة أخيه “بيير” والأمير “أندريه” فهما يحملان شبها كبيرا “بتولستوي”، وبعض الشخصيات كانت تاريخية والعديد من فصول الرواية مكرسة بالتحديد لمناقشة تفسير “تولستوي” للدور العسكري والتاريخي للجنرالين” نابليون وكوتوزوف”، بالإضافة للعديد من الشخصيات الأقل شأنا في الحرب والسلم إما تظهر في فصل واحد أو تذكر أحيانا بشكل عابر، وقلة من هؤلاء من مثل “أفلاطون كاراتايف” ليسوا أقل شأنا فيما يخص تطور الشخصيات، وينقسم النص الروسي القياسي إلى أربعة كتب 15 جزءا وخاتمتين إحداهما سردية بشكل رئيسي، والأخرى مختصة بالموضوع بشكل كلي، في حين أن نصف الرواية الأول تقريبا مهتم بشكل كامل بالشخصيات الخيالية فإن الأجزاء اللاحقة كحال إحدى الخاتمتين تألفت بشكل متزايد من مقالات عن طبيعة الحرب، السلطة السياسية، التاريخ وكتابته، لقد نثر “ليو” هذه المقالات في القصة بطريقة تتحدى تقاليد الكتابة الخيالية، وبعض الإصدارات المختصرة للرواية أزالت هذه المقالات كليا، في حين قامت أخرى ومنها البعض مما نشر حتى عندما كان “تولستوي” على قيد الحياة قامت ببساطة بنقل هذه المقالات إلى ملحق بالكتاب.
دانيا عبّارة