ثقافة

اكليل غار على رأس المرأة

رؤية قاسم أمين لتحرير المرأة لاتزال صالحة  بعد مرور أكثر من قرن

على طرحها

في عام 1999، وبمناسبة مرور مئة عام على صدور كتاب قاسم أمين- تحرير المرأة- أصدرت وزارة الثقافة السورية ضمن سلسلتها قضايا وحوارات النهضة العربية، مجموعتها القيمة- قضية المرأة- المؤلفة من ثلاثة أجزاء قام بتحريرها وتقديمها الباحث محمد كامل الخطيب، وأرادتها وزارة الثقافة تحية لكل النساء والرجال الذين دافعوا عن قضية المرأة وتحررها، وعملوا في سبيل تقدمها وتطورها وإنسانيتها، وأن تكون اكليل غار لرأس المرأة، حسب تعبير نصير المرأة الكاتب العربي حرجي نقولا باز الذي أصدر كتاباً يحمل هذا العنوان في بيروت عام 1923.

ويمكن أن نلاحظ أن قضية المرأة، ومطالبتها بحقوقها في العصر الحديث، كانت تتزامن وتتلازم مع حركة تقدم المجتمع العربي، كما يقول الباحث، فعندما يكون المجتمع في حركة تقدم ونمو، تبرز قضية المرأة قوية، وتحقق بعض التقدم، وعندما تكون حركة المجتمع في حالة تراجع، تكون قضية المرأة في حالة تراجع أيضاً.

اكليل الغار الذي وضعه قاسم أمين، ونقولا باز، والطاهر الحداد، وغيرهم من رواد ورائدات النهضة العربية في بداية القرن العشرين، يسقط عن رأس المرأة العربية، ويتهاوى تحت ضربات الإرهاب الفكري والعسكري الذي يعمل على إعادة العرب، وليس المرأة وحدها، إلى ما قبل عصور التاريخ، وعلى إلغاء الانتماء لهذا العصر بكل إنجازاته العلمية، والفكرية، بل وحتى الانتماء للوطن.

لو قيّض لقاسم أمين أن ينفض عنه تراب القبر، ويخرج منه ليرى ما حل بالمرأة العربية لعاد إلى مرقده، وأغمض عينيه كي لا يرى ولا يسمع شيئاً عن السبي، والاختطاف، والاغتصاب، وتزويج الطفلات في سن التاسعة،   وحرمانهن من التعليم، والذهاب إلى المدارس، وزواج النكاح، والترويج على لسان القضاة لتعدد الزوجات، وغير ذلك كثير.

لقد كان قاسم أمين ثائراً عظيماً سبق عصره بطرح رؤية فكرية متكاملة لتحرير المرأة في كتابيه: تحرير المرأة– والمرأة الجديدة، وتقوم رؤيته على:

– تحرير المرأة من الجهل من خلال التعليم- تحريرها من التقاليد بإلغاء الحجاب- مساواتها في الحقوق الدستورية والمدنية، ومنزلة المرأة عند قاسم أمين رفيعة، إذ يجب أن تربى على الأسس التالية:

على أن تكون لنفسها- أولاً- لا أن تكون متاعاً لرجل ربما يتفق لها أن تقترن به طيلة حياتها- أن تربى على أن تدخل المجتمع الإنساني وهي ذات كاملة لا مادة يشكّلها رجل كيفما يشاء- أن تربى على أن تجد أسباب سعادتها وشقائها في نفسها لا في غيرها.

رؤية قاسم أمين لتحرير المرأة لاتزال صالحة للمجتمع بعد مرور أكثر من قرن على نشرها، متحدياً المجتمع بكل مؤسساته، بما فيها الأزهر حين دعا إلى تحرير المرأة من الحجاب، وهو الأمر الذي لا يجرؤ أحد من المفكرين العرب المعاصرين على النقاش، أو المساس به، خوفاً من البطش الذي يمارسه الإرهاب على كل من يخالفه الرأي، وحتى تلك السيدات– الثائرات– في المؤتمرات، وعلى شاشات التلفزة، فالمرأة عندهن ليست قضية، بل ورقة للابتزاز السياسي، ومن المؤكد أنهن لم يقرأن كتب قاسم أمين، أو غيره من رواد النهضة كي يتعلمن كيف يدافعن عن قضية المرأة إذا كانت تعنيهن حقاً.

ولأن آذار هو شهر المرأة بامتياز، فيه يوم المرأة العالمي الذي يصادف الثامن  من آذار، وعيد الأم الذي نحتفل به اليوم، نرفع في هذه المناسبات التحية لرواد ورائدات النهضة العربية الذين لم يكتفوا بطرح الأسئلة الإشكالية حول كل قضايا المجتمع، بل أجابوا عن كثير منها، ويبدو أننا مازلنا بحاجة إلى إعادة طرح الأسئلة التي شغلت رواد النهضة، وندعو إلى حوار جدي يدين الممارسات، والمواقف، والفكر المتخلف الذي يعمل على إعادة المجتمع قروناً إلى الوراء من خلال ممارسات التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى فرض فكرها الإرهابي بحد السيف، مدعومة بفتاوى شيوخ الجهل والتخلف!.

سلمى كامل