“إبداع على مقام الوطن” يحيي المسرح في عيده
تحية منه للمسرحيين وللمسرح السوري في يوم المسرح العالمي جمع فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب بين المسرح كأدب والمسرح كفن من خلال ملتقاه الدوري “إبداع على مقام الوطن” الذي استضاف فيه مؤخراً مدير المسارح والموسيقا عماد جلول، والناقد المسرحي جوان جان والممثلتين هناء نصور ووئام الخوص.
أزمة مالية فقط
وقد أشار عماد جلول في بداية حديثه إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها مديرية المسارح والموسيقا خلال السنوات الماضية وفي أقسى الظروف، حيث يُحسَب لها أنها لم تتوقف عن تقديم العروض، وبقيت الجهة الوحيدة المنتجة للمسرح بعد توقف العديد من المسارح الرديفة لها عن تقديم عروضها، وأكد أن المسرح القومي ومنذ تأسيسه مستمر في تقديم أهم العروض المسرحية لكبار المخرجين السوريين، ومسيرته مازالت مستمرة، واعداً الجمهور بأيام مسرحية مهمة، وقد بدأ عام 2017 بمهرجان مسرح الأطفال الذي قُدِّم فيه أكثر من ثلاثين عرضاً، واستضاف لأول مرة عرضاً عربياً من لبنان بعنوان “العائلة” تشجيعاً لقدوم عروض عربية أخرى لتقدم تباعاً ومن دون توقف عدة عروض، كما قدمت المديرية في العام الحالي أكثر من عمل مثل “زيتون” لمأمون الخطيب، و”ضجيج وحنين” لمعتز ملاطيه لي، و”ستاتيكو” لجمال شقير، و”اختطاف” لأيمن زيدان الذي مازالت عروضه مستمرة على خشبة مسرح الحمراء، ومسرحية “قصة حديقة الحيوان” لحسن عكلا التي بدأت عروضها على خشبة مسرح القباني مؤخراً، ونوّه إلى عروض أخرى عديدة قيد التحضير في دمشق والمحافظات الأخرى، وأن شباب المسرح السوري قبل الأزمة كانوا يشاركون في المهرجانات، ويتواجدون في مسارح الهواة والمسرح القومي والجامعي والشبيبي والعمالي، وكل هذه الفرق كانت تعمل جنباً إلى جنب، واليوم وفي ظل الأزمة وتوالد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، أصبحت مديرية المسارح والموسيقا الجهة الوحيدة المنتِجة للمسرح، وظل عددٌ كبيرٌ من الفنانين يشتغلون في المسرح، ويتنقلون ما بين الخشبة واستوديوهات الدراما التلفزيونية.
وعن مغادرة الكوادر الفنية أوضح جلول أن المديرية كانت تضم عدداً كبيراً من الأسماء في كل الاختصاصات، إلّا أن عدداً كبيراً منها غادر سورية في ظل الأزمة الحالية، وبنتيجة إحصائيات قام بها جلول لدى المديرية اليوم ثمانية عشر مخرجاً غادروا سورية، في حين أن عدداً كبيراً من الفنيين تركوا المديرية أيضاً، ويُقدَّر عددهم بنحو ثمانية وعشرين فنياً، وهؤلاء بالأصل قامت المديرية بتدريبهم حتى صاروا مؤهَلين، وهكذا فإن هذا الوضع “برأي جلول” أثقل كاهل المديرية لأن غياب فني صوت أو إضاءة قادر على تعطيل عمل مسرحي كامل، والمؤسف أن البديل لهؤلاء غير موجود حالياً، وبالتالي فإن أزمة المسرح السوري برأيه أزمة مالية ونقص في الكوادر ليس إلّا.
احتضان المواهب الشابة
وذكر جلول أن بعض الإعلاميين عابوا على المديرية احتضانها لبعض تجارب الشباب انطلاقاً من أن خشبتَي الحمراء والقباني يجب ألّا يقف عليهما أيٌّ كان، في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات تنادي بضرورة احتضان المواهب الشابة، لذلك بيّن جلول أن من مهام المديرية، كما جاء في النظام الداخلي لها دعم بعض فرق الشباب بما تسمح به ميزانية المديرية لوجود جهات أخرى تساهم في احتضانه مثل المسرح الشبيبي والجامعي.. إلخ، ويتساءل جلول: “أين هذه المسارح اليوم، وقد انكفأت عن أداء أدوارها؟”.
كما تمنى جلول على الإعلام أن يكون شريكاً مع مديرية المسارح في أعمالها من خلال الترويج للأعمال المسرحية التي تنتجها، آسفاً لأن العديد من هذه الأعمال لا يلقى صدى إعلامياً، حيث قُدّم العديد من الأعمال التي لاقت إقبالاً جماهيرياً ولم يروَّج لها، والدليل برأيه تلك الاحتفالات العديدة بيوم المسرح التي أقيمت في العديد من المحافظات والتي لم يذكرها الإعلام على الرغم من أن بعضها أقيم في محافظات تعاني ظروفاً غاية في الصعوبة مثل الحسكة، في حين انصب الاهتمام فقط على احتفالية دمشق.
المسرح السوري وميلر!
وفضّل الناقد المسرحي جوان جان أن يستهل حديثه عن المسرح السوري بأسلوب غير مباشر عن طريق استعادته لحوار صحفي سابق أجري مع الكاتب المسرحي الأميركي آرثر ميلر قبل رحيله بفترة وجيزة، وفيه يتحدث عن معاناته في سبيل تقديم أعماله المسرحية على خشبة المسرح حينما يشكو من عدم تقديم أعماله المسرحية بسبب تكلفتها الكبيرة، ثم ينتقل جان للمقارنة بين ما كان يعاني منه ميلر، وكيفية تعامل بعض شباب المسرح العربي مع عدم نقل أعمالهم إلى خشبة المسرح، حيث تحدّث جان بنبرة ساخرة، قائلاً: “يكتب كاتب مسرحي في مقتبل العمر مسرحيته يوم السبت فإذا حلَ مساء الأحد ولم يتبن أحد مسرحيته تحدث عن مؤامرة عالمية لوأد موهبته في مهدها”، ثم انتقل جوان جان للحديث عن البعض الجوانب المتعلقة بالمسرح السوري، ودعا إلى الاهتمام أكثر بتصوير الأعمال المسرحية، وحفظها من الضياع.
الساحر
وتركت الفنانة هناء نصور دراسة الرياضيات، واتجهت إلى المعهد العالي للفنون المسرحية لتكون ساحرة كزملائها الذين سحروها بعد أن شاهدت عروضهم المسرحية على خشبة المسرح الجامعي، وأكدت أنه قبل ذلك لم تكن تعرف شيئاً عن فن المسرح، وأشارت إلى أنها انكبَّت على القراءة لتستزيد من الثقافة المسرحية، فأبحرت في عالم ساحر، ونسيت الرياضيات، وعشقت الطيران من على خشبة المسرح، وعندما علمت بوجود معهد عالٍ للفنون المسرحية، ودَّعت الرياضيات، واتجهت إليه فوراً، فكانت كالمجنونة في حبها للتمثيل، ولقّبها أساتذتها “بالبلدورز” لحماستها، وقدرتها على التدريب والتمرين في المعهد، وهذا كله لعشقها الكبير للتمثيل، وعندما تخرجت انكبَّت على القراءة ومتابعة عمالقة المسرح، ومنهم د.نبيل الحفار الذي تذكر محاضراته القيّمة وخاصة عن مفهوم التطهير في المسرح الإغريقي، وهو الشعور الذي شعرت به منذ أن وقفت على خشبة المسرح لأول مرة، وتفتخر نصور بأنها شاركت في العديد من الأعمال المسرحية، وكانت آخرها مسرحية “نبض” التي تحدثت عن أمهات الشهداء والتي أعطتها من روحها الشيء الكثير، مشيرة إلى أنها مع المسرح الذي يصارع الروح والعقل والذي يلاعب روحها، ويحرِّض عقلها، ويطرح الأسئلة.
جدتي
لم تكن تعرف المسرح من قبل إلّا أن جدتها التي كانت تعمل ماشطة (المرأة التي تغني للعروس وهي تزيّنها)، فكانت تلك الممثلة التي كانت تقف على خشبة مسرح وتحرك الأحداث، فكانت تضحك، وتبكي بما تجود به قريحتها، ولطالما أعجبت الفنانة وئام الخوص بتلك الجدة وبجرأتها، وهذا ما جعلها تردد فيما بعد أننا نملك حكايات مسرحية شعبية تقودها امرأة، والمسرح ينقل لنا الحياة دائماً.. ومن هنا وعن حضور المرأة في المسرح وردّاً على من يقول بأن لا حضور لها، بيّنت الخوص أنها موجودة منذ زمن بعيد، وهي شخصياً لم تجد مشكلة في أن تكون على خشبته، وبالتالي ليست المشكلة في تواجدها، وإنما في حرية التعبير والإحساس عند هذه الممثلة أو تلك، وإن كانت مقتنعة أنها موجودة وحاضرة بقوة في الحياة العادية.. وأشارت إلى أن العرض المسرحي “عيشة” لرائفة أحمد هو أول عرض شاهدته والذي جعلها تقارن بين عيشة التي كانت تُخرِج من صندوقها حكايات الأشياء الموجودة فيه وبين جدتها التي كانت تنبش في النفوس وتغني حالها، وكم كان الشبه برأيها كبيراً، وأكدت على أهمية النظر بعين الاهتمام لتجارب الشباب، وخاصة شباب المعهد العالي للفنون المسرحية الذين يملكون طاقات كبيرة وخبرات عديدة.
وفي نهاية الندوة أجمع المحاضرون والحاضرون على أهمية مسرح الطفل وضرورة الاهتمام به، وأنه مسؤولية جميع الوزارات، وليس فقط وزارة الثقافة لأن بناء مجتمع سليم يبدأ من الطفل، والطفل مسؤولية الجميع دون استثناء.
أمينة عباس