ثقافة

دعوة إلى إلغاء يوم المسرح العالمي

كان من المفاجئ هذا العام صدور العديد من الدعوات المحلية والعربية والعالمية أيضاً، التي دعا فيها العديد من الكتاب والنقاد والصحفيين إلى سقوط المسرح، وذلك في نفس اليوم المخصص للاحتفال به في هذا التاريخ 27-3- من كل عالم وفي كل أنحاء العالم، والذي يسمى “يوم المسرح العالمي” وفي اعتقادي الشخصي بأن تخصيص يوم للاحتفال بالمسرح هو ما يشبه إعادة التذكير بشيء منسي مرة في العام وبين الحين والآخر، وكأنه رجل هرم وعلى حافة قبره، أو كأنه مثل أي مناسبة دينية واجتماعية تأتي مرة في العام والسلام، يوم تلقى فيه الخطب العالمية وتدور في مسارحه العديد من العروض المسرحية والتكريمات الخجولة، وهكذا، وفي هذا ظلم كبير لهذا الفن العريق الذي يجب أن يكون حدثاً يومياً ثقافياً في حياتنا، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية، التي لم يتعلم 70 بالمئة منها مفهوم الحوار، والمسرح هو المعلم الحصيف في هذا، لكنه للأسف يجيء في حضوره على شكل احتضارات بين الحين والآخر، وليس آخرها بدعة يومه السنوي -أي يوم المسرح-، ومن هنا بالذات يتجرأ العديد من النقاد على إعلان موته!، لأنه وفي هذا الشكل يحضر بشكل فلكلوري شعبي، لا في كونه برلماناً جماهيرياً حراً. وما يحدث في هذا اليوم هو أننا نوقظه من رقدته المتعبة، نسمعه كلمة تأبينه -التي لا بد ستجيء إن بقي يُعامل كخادمة سيرلانكية كل العام-كلمة سنتحدث فيها عن أهميته ودوره وقيمته الكبيرة في المجتمع كحالة اجتماعية ثقافية أيضاً، وفي اليوم التالي يختفي كل هذا، وتعود خشباته إلى التثاؤب وأهله إلى الاضطرار لتقديم تنازلات كبيرة في سبيل الحصول على عمل، ومنها العمل في السينما والتلفزيون، فالممثل المسرحي الحقيقي يتنازل عندما يذهب للعمل في السينما أو التلفزيون، يتنازل كثيراً عن قيمته الفنية باعتباره المحاكي الأول للآلهة، لذا لا يعول على أي نهضة للمسرح يُجمهر لها فقط في مناسبته السنوية، حيث تحيا خشبة المسرح بملكية مترفة كسندريلا لبضع ساعات، قبل أن يتحول فستانها الجميل إلى أسمال بالية وخرق متهرئة، وأحصنة عربتها البديعة إلى جرذان، هذا ما يدل عليه وجود يوم عالمي للمسرح، لذا يجب أن نبدأ أولاً من رفض هذا اليوم والاحتجاج على وجوده، حتى يتسنى لنا أن نبدأ بالرد على دعاة موت هذا الفن، الذي صار عمره أكثر من 7000 آلاف عام وما زال له الكثير من العشاق والرواد، الذين لا تعنيهم السفسطة الفنية التي تنهش كواليسه، بقدر ما يعنيهم الحدث المسرحي بحد ذاته، وربما أفضل شيء في العمل المسرحي هو أنه يُحضر من قبل الجمهور لبضعة أيام، ثم تصبح فنيته العالية في الذاكرة وأثره الثقافي في الروح، نعم هذا كلام شعري عن المسرح، لأنه من أهم الفنون التي تحتمل الشعر، أعمال شكسبير تعبر من الشعر العالمي وتدرس على هذا الأساس في العالم.

لست هنا في وارد الدفاع عن وجود المسرح ضد إعلان موته، فهو موجود منذ آلاف السنين، وبالتأكيد لن يزول ما بقي الناس، مهما اختلفنا في أحقية بقائه من عدمها، فالمسرح حالة فنية ثقافية صافية، وليس مناسبة عامة تحدث كل عام وانتهى الأمر، حتى لو تراجع حاله وتغيرت عليه الأزمنة وجرفته التقنيات الحديثة، المسرح ناس وحكايات، ذاكرة طازجة وتفاعلات حية بين الكيمياء الإنسانية وكيمياء الفنون التي يضمها المسرح “أدب أو شعر، تمثيل صامت أو ناطق، رقص مع تلوين في حال وجود ألوان للأزياء والديكور، نحت، عمارة، في حال وجود ديكور، موسيقى في حال وجود موسيقى تصويرية”..

بالتأكيد سينتصر كل شخص للفن الأمثل بالنسبة له، كما يمكن الفهم أن ظهور أي فن جديد، هو حتماً على حساب الفن الذي سبقه، لكن جوهر ظهور هذا الفن الجديد قائم على الجوهر نفسه الذي قام عليه الشكل الأقدم، فكما لا تقوم فكرة فلسفية إلا على أنقاض أخرى، كذا الفنون، لكن ظهور فن جديد لا يعني بحال من الأحوال انتهاء الفن الآخر، بل ربما ظهور الفن الجديد كان دافعاً لعودة جماهيرية حقيقية للفن الأقدم، خصوصاً إذا كان الفن الجديد في عمومه محكوماً بالصناعة وتفاصيل هذه الصناعة- التي أثبتت مؤخراً في حال السينما الأمريكية مثلاً، أنها واحدة من أداوتها في الصراع والحروب الجائرة التي تشنها على دول العالم.

يبقى الخيار الشخصي لكل إنسان في التعامل مع الفن الذي يفضل، عائداً له ولتفكيره ولرغبته في تحقيق متعته الثقافية والفنية، صحيح أن مقابل كل ألف شخص يفضلون السينما والفيديو كليب والدراما التلفزيونية مثلاً، سنجد 10 يفضلون المسرح، لكن هذا ليس معياراً حقيقياً، فجمهور المسرح هم جمهور وليسوا حشوداً، وهناك فرق كبير بين الجمهور والحشد، كما يبقى أيضاً وجود المبدع الحقيقي القادر على خلق حالة مسرحية رفيعة وصافية، تفوز بمحبة الجمهور وإعجابهم بل وثقتهم أيضاً، هو من الضمانات التي تجوهر عمل هذا الفن وتضمن استمرار ألقه، وهؤلاء من يجب أن يكون لديهم الحضور الفعال في المشهد المسرحي السوري على الأقل، على أن يعفى أي عديم موهبة من العمل في المسرح كي لا يمعن في القضاء عليه، كما يحدث مع العديد من المشتغلين في المسرح السوري، والذي أساء بعضهم بشكل لا يصدق لجوهر هذا الفن وطبيعته، أيضاً يجب أن يصرف على “أبو الفنون”، ولو ربع ما يصرف على السينما، وبهذا تكون صناعة عمل مسرحي محترف وهام وممتع، سبباً آخر من أسباب انتعاشه وعودته بكامل خشباته وكواليسه، معافى إلى الناس، لأنه فنهم الأقرب إلى وجدانهم، إذا لم يكن قادراً على أن يكون ضميرهم وصوت حالهم أيضاً.

تمّام علي بركات