ثقافة

البحث عن وجه القمر في معرض نبيل السمان

استطاع الفنان نبيل السمان حل المعادلة بينه وبين المتلقي، ذاك الأخير الذي طالما كانت تشده المساحات النقية، والأشكال الأكثر حضوراً، والأكثر واقعية، والذي كانت تتمحور أسئلته دوماً حول المقصد والغاية والفكرة. لم ينزل السمان، ولم يصعد المتلقي، ولكن خيط الوصول كان لوحةً غنية تحكي الأسطورة، وتعكس شكل الحب والحياة في صورة مفرداتها، الأنثى في كل مكان، مع القط، ومع الثور المجنح، ومع الغزالة والأغنام، فوق المدينة وبين الأسماك والمرجان، مع القيثارة والآلة التراثية.. كل ذلك عبر جمالٍ آسر، وتكوين واضح وظاهر في أكثر من ثلاثين عملاً تشكيلياً يستعرض فيهم حياة المرأة السورية عبر التاريخ، وفي تلك البقعة من الأرض.
كان وصولي لمعرض (نساء سوريات) في صالة هيشون نقياً، كما الطريق، وكما أقدام لم تلامسها الأرض، كما خطواتي، وكما أفكاري التي تخلصت من رواسبها، وكما درج صعدته، ولم ألحظه، وعيناي مشدودتان إلى لوحة وحوار عاشقين على طاولة وفنجان، وقبالة باب الدخول شدتني أناقة المكان إلى اليمين عازف ناي ضبط إيقاعاته البربرية، وصارت العلاقة مع المتلقي أكثر وداً وأماناً، حينها رنت في أذني عبارة صديقي ماريو اليوسف (طل القمر)، ربت على ظهره ممازحاً: تقصدني أنا؟ أطلق ضحكته الواثقة، عانقني ورحّب بي، وعرّفني بصديقاته من حوله، ثم أدخلني عبر أسلوبه الشيق والجميل إلى حوار نصفه لوحة ونصفه أنثى، أما أنا فكنت مشتتاً في خياراتي، وكان عليّ أن أمسك بالخيط الذي يعطي للوحة سطوتها وقدرتها على فرض الكلمات، وكان عليّ أن أبحث عن وجه القمر في أنثى معلقة إلى التاريخ وإلى جدار.. كيف يمكن أن تكون إطلالته؟ أهي عبر تكوينات رومانسية زرقاء، أم عبر الظلال الشفافة الرمادية والسوداء، أم عبر الفخامة الذهبية والبهجة  الصفراء، أم هي في الأحمر الأرجواني الآسر أو الأخضر المتجدد دوماً؟ وربما كانت عبر البنفسجي الساحر.
في لوحات السمان شيء ما سوف تألفه، وتشعر معه بالأمان، فمفرداته التي استعارت من الحكايات والأسطورة، صارت أكثر أناقةً حين قيّد عفويته، وضبط حدود الشكل بقيم ولمسات نصف شفافة وكتيمة، أحادية اللون والدرجة غطت، وتخللت الخلفية، فتأكدت الأشكال التي كان قد زرع بذورها مع الظلال اللونية الأولى، فحوار العاشقين والجلسة الحميمية على مقاعد شطرنجية وسط آنية ومزهرية كان المدخل لفهم التكنيك والسر الذي يخفيه ذلك الانسجام بين مفردات اللوحة حين تحافظ الظلال في جزئياتها على اللمسات الحسية الأولى موشحةً، فتبدو اللمسات الضوئية على وجه وقميص الشاب امتداداً لذلك الأصفر بكل دلالاته على جسد الأنثى، وكأنه طرح فلسفي يشير إلى حياة تحركها الأفعال وردودها، وحين فصلت الأشكال عن خلفيتها، ثم تحددت هندسياً، صارت تنتمي للمكان، ولتلك المقاعد الشطرنجية التي يجلسون عليها، وفي لوحة حالمة مع لقطة تكوين جريء، خدم فيه الفصل الجزئي في الخلفية بين شكلين متقابلين، والقميص المخطط طولانياً والمتناغم مع ستارة، تنسكب من الأعلى وإلى اليمين نحو الأنثى، كما الحلم، وكما الطبيعة وجذوع الأشجار، وفي أعمال أخرى وضمن ذلك الإطار الذي ينحو في لمساته الأخيرة نحو إدخالات تزيينية تأتي التوشيحات الخطية على جناحي الثور المجنح، وتسيل طولانياً عن بعض الأجساد، أو تمتد في العرض لتشير إلى درج أو أرض، وقد تغطي مساحة ما بلون لافت (أرجواني) لتدخل اللوحة في إطار حداثي وإعلاني، وهذا لا يعيب، إنما يخدم مفاهيم جديدة للفن عند  صاحب  تجربةٍ غنية، يبدأ عمله، كما يتراءى لي، عبر لعبة لونية وحسية ولمسات متجانسة تغطي كامل السطح، كما عمل تجريدي، ثم لاحقاً وعبر التأمل، ثم التحديد والحذف، يؤكد أشكاله المزدحمة في بعض اللوحات دون أي تشويش، أو المختصرة إلى عنصر أو اثنين في لوحات أخرى لتشد إلى جمالية التكوين عند الفنان.

الفينيق حسين صقور