ثقافة

أحمد خلف في رواية “تسارع الخطا”.. الحياة مسرح تراجيدي

قرأت أحمد خلف، قاصاً متميزاً، أتحفنا بقصص أقل ما يقال عنها إنها قصص لاتنسى. لكنني لم أقرأه روائياً، إلا في روايته “تسارع الخطا”، الصادرة عن دار المدى. في هذه الرواية لا يمكن إلا أن أقول إن الرواية هي ديوان العرب، مع احترامي للشعر.
يتميز العنوان في النص الإبداعي على أنه عتبة دالة للولوج إلى عمق النص، أو للتعرف على الخط العام للنص، في تسارع الخطا ليس ما يدعو لذلك بقدر ما هو خلق لحالة من الدهشة في اكتشافات أخرى، سيكون للشريك، أقصد القارئ، مشاركة في إعادة إنتاج عنوان يخصه.
“هل لي معرفة أين أنا الآن؟ لتبق ساكتاً وساكناً أيضاً عليك أن تكفّ عن السؤال”ص7، بهذه الجملة الأولى في الرواية، التي يتناسل منها فيما بعد: (المونولوج والديالوج الداخلي) الذي من خلاله نتعرف على عذابات شخصية روائية، شخصية من لحم ودم، تتعذب وتقهر وتستلب أحلامها من خلال مايجري لها من عذاب نفسي وجسدي من قبل خاطفيها، هي شخصية (عبد الله) بطل الرواية المثقف العاشق للمسرح حتى النخاع، الذي تساعده فاطمة على الهروب من مكان خطفه إلى دروب تبعده عن يد خاطفيه: “لاتلفت إلى الوراء، عليك أن تصغي إلى تسارع الخطا” ص 14.
عبد الله الذي سنكتشف اسمه بعد الكثير من مرور الصفحات، وهي إحدى ميزات الروائي أحمد خلف التي من خلالها يستطيع شد القراء لنصه السردي، ومن ثم يكون عنصر المفاجأة كميناً لطيفاً ومهذباً، لفخ يستلب لب القارئ، ويلامس شغاف الروح. فيما بعد، سنتعرف أكثر على باقي شخصيات الرواية: فاطمة وهند ورياض الأميري، وغيرهم.
في رواية “تسارع الخطا” نحن أمام رواية لايمكن المرور عليها مرور الكرام، ولايمكن إلا أن نقول إننا أمام عمل روائي على غاية من الأهمية، نص روائي محكم المتن والبناء الروائي فيه، لا يتقاطع مع أي نص سردي روائي عربي آخر، إنه نص سردي لأحمد خلف وحده، لبصمته، للغته التي تنهل من ينابيعه التي هي علامته الفارقة.
تنتقل في سردها الروائي من صوت الشخصية الواحدة إلى تعدد الأصوات، نكتشف هنا السرد عبر ضمير المتكلم، وفي مرات عديدة نجد السرد يأتينا عبر ضمير الغائب وضمير المخاطب، وهذا مايلغي هيمنة الصوت الواحد بل يعطي فرصة لتعدد الأصوات وهي توليفة رائعة أضافت ميزة جمالية تضاف لجماليات هذا النص الروائي، حيث يتم سرد الأحداث، وبهذا اكتشفنا تلك المتعة المذهلة التي أمتعنا بها الروائي، من حيث ابتكار حالة حميمية تم تتويجها بمتعة السرد وغناه الدلالي والمعرفي، وبالقبض علينا لحين وصولنا، إلى بر الأمان أقصد الصفحة (152) حيث تنتهي هذه التحفة الرائعة. ولا ينتهي ألقها ولا سطوة شخصياتها على أرواحنا المتعبة من الحروب وويلاتها.
في رواية “تسارع الخطا” يقترن السرد بالحكاية بوصفها تعبيراً عن سيرورة الحياة وصيرورتها، كذلك سندخل عوالم سوريالية مروراً بالواقعية، حيث يمتزج الأخيولي بالواقعي، أحياناً نجد ذواتنا أمام سارد يملي علينا قصة أقرب لحكايات السحر، كذلك سنجد أنفسنا أمام مسرح تراجيدي من خلال تدخل المسرح عبر مشاريع (عبد الله) المسرحية، من خلال مسرحية (الصرة) التي تحكي قصة أم عباس مع الصرة التي يتركها شاب عندها، وعندما تفتحها تنفجر الصرة لتحيلها لأشلاء مبعثرة. ص56. كذلك مسرحية الحانة التي تروى في حانة عتيقة تنقل هذيانات وإرهاصات وهموم ومتاعب وانكسارات وخيبات وأحلام مؤجلة، لشريحة اجتماعية كبيرة من العراقيين بعد الألفين وثلاثة.
لابد من الإشارة، إلى أن أحمد خلف لم يذهب لابتكار جغرافيا لروايته- كما كان يفعل وليم فوكنر في بعض رواياته، هو اختار رقعة جغرافية واقعية:
من بغداد، حي البياع، سبع البور، ساحة الفردوس الخ. وهي أمكنة لتنقل شخصيات الرواية من مكان لآخر، على سبيل المثال حين يذهب رياض مع هند إلى منزل بعيد، وهما طالبا جامعة، وهناك يغتصبها، ويتهرب من فعلته ويتخلى عن حبهما، سنكتشف أنه ذات المنزل هو من تم سجن عبد الله فيه،- عبد الله خال هند الذي تلجأ إليه وتروي له ماحدث لها، فأبوها استشهد في حادث تفجير في أحد المقاهي، وأمها معلمة مدرسة هي أم عصامية ومثالية.
شخصيات أحمد خلف منسوجة من وجع وقهر وآلام العراقيين، شخصياته مذبوحة من الوريد إلى الوريد، نزف وجعها على الورق على مساحة سرده الروائي في تسارع الخطا، كلنا في بلاد الشام أيوب الذي هو ذاته عبد الله المذبوح الميت والحي، كان عبد الله يحبذ في بعض المشاهد أو اللحظات المحرجة  يحبذ اسمه الحركي، أيوب، لماذا هو بالذات، وليس كاتباً أو إنساناً آخر يمكن أن يحدث له هذا كله الآن؟. ص- 152
“تسارع الخطا” عمل روائي مشغول بمداد القلب ومنسوج بنبض الحكاية، مر طويلاً بمختبر القاص والروائي أحمد خلف الذي قدم لنا عملاً روائياً لن ينسى أبداً، بل سيظل كالوشم في الذاكرة.

أحمد عساف