ثقافة

ملتقى التشكيل يحتفي بالناقد علّون

احتفاءً بالناقد الراحل عبد العزيز علون أحد لَبِنات النقد التشكيلي في سورية، ارتأى الفنان أكسم طلاع المشرف على ملتقى الفن التشكيلي أن تُخصَّص إحدى ندواته، للحديث عن د.علّون بمشاركة كل من: الفنان إسماعيل نصرة- د.فؤاد طوبال والناقد عمار حسن في ثقافي أبو رمانة، إذ بيّن طلاع أن موضوعات عديدة تناولها الملتقى مؤخراً، وكان من الضروري تخصيص إحدى ندواته للحديث عن النقد، الشريك الحقيقي لما يقدَّم على صعيد الفن التشكيلي، وهو المرافق والمطوّر والمعزز والجانب الإبداعي الأدبي للّوحة. وأوضح أن النقد ليس مجرد انطباعات صحفية وإنما هو علم قائم بحد ذاته، ولأنه ليس عملية سهلة يرى أن عدد النقاد في هذا المجال ما زال قليلاً، فالناقد –برأيه- هو صاحب نص جديد يوازي وأحياناً يتفوق على النص البصري، وأكد أن النص الذي يُكتَب برؤية الناقد يعزز من دائرة تأثير العمل الفني، دون أن ينكر أن الكتابات الانطباعية والصحفية تخدم التجربة التشكيلية على صعيد الترويج لها.

له الفضل
ويثني د. فؤاد طوبال على خطوة الملتقى في تكريم الراحل عبد العزيز علون، هذا الاسم الكبير الذي استطاع أن يلامس كل جوانب الفن التشكيلي في سورية، والذي كان له الفضل في تعريف الأجيال بهذا الفن وروّاده وتياراته المحلية والعربية والعالمية، وقد كان له الفضل أيضاً في تعزيز ثقافة الفن التشكيلي لدى طلابه على مدار سنوات عديدة من خلال تأكيده على دور الفن التشكيلي وأهميته في المجتمعات، وأشار د. طوبال إلى ما كان يقوم به علون خلال مسيرته التشكيلية كفنان وناقد ومترجم وباحث ومقتني للوحات الفن التشكيلي من جميع أنحاء العالم، ودوره في تقديم المعلومة الصحيحة في ظل فقر مكتباتنا بالكتب المتخصصة بذلك، وخاصة تلك التي تتناول مصطلحات هذا الفن والتي سعى علون لتقديمها عبر محاضراته، وهو الذي كان بارعاً في إيصال المعلومة بطريقته الهادئة في التدريس، ولفت د.طوبال إلى أنه وكأحد طلاب الراحل ما زال حتى الآن يحتفظ بذلك الكتيّب الصغير الذي أشار إليه الراحل لاقتنائه من قبل الطلاب ليكون لهم مرجعاً هاماً للتعرف على كل نظريات الفن ومصطلحاته الفنية التي لا بد أن يتعرف عليها الطالب.

فتح بيته للطلاب
أما الفنان إسماعيل نصرة فأشار إلى حظه الكبير الذي جعله يتعرف على الراحل علون في كلية الفنون الجميلة، ويتذكر كيف فتح الراحل بيته لأكثر من 40 فناناً من كل الاختصاصات وتكريس يوم من كل أسبوع ليشرح لهم عن الحضارات السورية والفكر والفن السوري، فكان بيته عبارة عن أكاديمية مصغَّرة تعلَّم فيها الفن التشكيلي وتعرف على تاريخه ومتحفٍ يتضمن أعمالاً لأهم الفنانين في هذا المجال، وكان الطلاب والفنانون آنذاك يحلمون أن يروها، الأمر الذي جعلهم يخرجون بمحصلة معرفية توازي ما تعلموه في الأكاديمية، ولم يتوقف الراحل علون -كما يبين نصرة- عن مساعدة هؤلاء الطلاب أثناء دراستهم وقد تابع المسيرة معهم بعد التخرج بتعريفهم وتقديمهم لأهم صالات الفن الموجودة في سورية، فأخذ بيدهم في خطواتهم العملية الأولى وساعدهم من خلال الملتقى الذي أقامه في دروشا بتسويق أعمالهم والتي كانت من أصعب المراحل التي يمر بها أي فنان في سورية.. وبيّن نصرة أن الراحل علون لم يكن أستاذاً فقط وإنما كان أباً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وهو وغيره من الفنانين لن ينسوا مساعدته لهم.

غير قابل للحكم
ويرى الناقد عمار حسن أن كلمة نقد قد تصح في كل الأنماط الأدبية ما عدا التشكيل، خاصة وأن النقد يأتي للتفضيل بين شيئين: جيد وسيء، وبالتالي فإن وصف لوحة تشكيلية بأنها جيدة أو سيئة أمر مرفوض بالنسبة له، لأن التعبير الإنساني عبر اللوحة غير قابل للحكم.. من هنا يرفض –حسن- كلمة نقد ويفضِّل استبدالها بكلمة قراءة بصرية، وبيّن أن النقد قراءة وتحليل وتقليص لهامش المحادثات بين الصورة الحسية والحدس الذي عاشه الفنان، لأنه ليس رساماً بل حالة كلية وطاقة الحياة، يعبِّر من خلال فنه عما تريده الحياة، والنقد برأيه كذلك جسر تعبر عليه اللوحة لتصل للناس، والناقد هبة الطبيعة، والدراسة وحدها لا يمكن أن تخلق ناقداً لأن النقد قدرة وموهبة، والدراسة تقوم بصقلها عبر مناهج متعددة، وهذا ما يجعل النقد وعياً مضافاً يسهم بنقل هذا الوعي للآخر الذي هو المتلقي، وهو الطرف الأكثر أهمية، والفنان هو الطرف الأول المعني بتلقي رسالة الناقد من خلال الحوار، وخبرة حسن تؤكد أن الكثير من الرؤى يتغير في الصورة التي رسمها الفنان بعد الحوار والنقاش حولها.. ونوه حسن إلى أن رسالة الناقد عملية مضافة ومشتركة مع الفنان لإيصال خطاب بصري جماعي.

النقد ليس علماً
وكان الراحل د.عبد العزيز علون قد لخص رأيه بموضوع النقد من خلال كتابه الأخير “أعلام النقد الفني في التاريخ”، حين بيَّن أن النقد الفني يقوم على بناء جسر يبيَن صلة الفلسفة الجمالية بالإنتاج الفني وتأثيرات هذا الإنتاج على المجتمع، وأن مهمة الناقد الفني بالنسبة للعمل الفني جملة من الوظائف المباشرة،  منها توصيف العمل الفني وتحديد شخصيته وإدخال الجمهور إلى دنيا العمل الفني الجديد من أجل تذوقه، وكشف مَواطن الجمال فيه ومساعدة الفنان ذاته في تطوره نحو المستقبل، وتحديد مكانة العمل الفني بالنسبة لإنتاج الفنان وتاريخ الفن في الإطارين الاجتماعي والإبداعي، والتعريف بقيمة هذا العمل الفني بالنسبة لمسيرة الحركة الفنية، وأشار إلى أن النقد الفني ليس علماً تُطبَّق قوانينه على مواد جامدة، وإنما هو فن مرتبط بأطراف متبدلة ومتحركة، ويحتاج الإلمام بعناصره إلى ثقافة واسعة بصرية وعلمية ومخزون كبير من معرفة العلوم والتمكّن من علوم اللغات التي يكتب بها الناقد، مؤكداً أن مَن يظن النقد الفني مجرد هذر صحفي عابر يعتمد على السفسطة الكلامية لا يجني أكثر من إضاعة الوقت، وأن تاريخ الفن الذي لا يقوم على نقد فني قادر على الربط فيما بين الفلسفة الاجتماعية والجمالية وأشكال التقانة المعبِّرة عنها، ليس له قيمة ولا يقدم فائدة تُذكَر، في حين أن النقد الفني الذي يكشف عن الأسس الفلسفية والظلال الاجتماعية ومظاهر التقانات وطرق التنفيذ التي تُنتَج بها الأعمال الفنية يستطيع أن يقدم للمشاهد وللقراء صوراً مفيدة ومشجعة على اكتشاف عبقريات الفنانين ويحدد مكانة كل منهم ودوره في مجتمعه وفي مرحلته التاريخية.
أمينة عباس