لماذا ألف ليلة وليلة
على الأرجح أن استدعاء تلك المدونة السردية الكبيرة والمُؤَسِّسة في الوقت ذاته يطرح أكثر من سؤال يتصل بالقيمة المضافة لها من جهة، في آداب الشعوب وحضارتها وتراثها وبالمعنى الجمعي، ومن جهة أخرى يتصل بمدى الاختراق والعبور لها في الوجدان العشبي من مرحلتها الشفوية وصولاً إلى عمليات التدوين المختلفة، التي شهدتها، والتي أثرت بإجماع الباحثين والدارسين في الوجدان الجمعي العالمي الفني والجمالي والاجتماعي والتاريخي وسوى ذلك.
وسوف يبدو الحديث غير منته في الأثر الذي تركته في سرديات العالم، وأكثر من ذلك في مختلف الآداب والفنون، ذلك أنها في كل قراءة لها تعاد كتابتها، وعليه سيبدو سؤال المؤلف الجمعي لها سؤالاً ناجزاً وأكثر استحقاقاً في مرايا التلقي، بل الأدب المقارن على مستويات مختلفة، لطالما التفت النقاد إلى بنيتها الفنية، بوصفها البنية المُؤَسِّسة لتراث سردي عالمي، وعربي، إذ تتعدد أوجه الاستلهام لتلك المدونة، من إرث الحكايات وألاعيب القص، وطرق السرد، إلى تعدد الرواة، وتلك حداثة مبكرة كان لها الأثر البالغ في الميراث الروائي العالمي، كما ظهرت تجلياته مؤخراً في الديكاميرون لـ بوكاتشو وجريه على منطق الليالي والحكايات المتصلة المنفصلة، ولعلنا لا نعدم غير مثال في هذا السياق، سواء في كثافة الأمثلة أو تنوعها، والأهم في هذا السياق كيف نظر الآخر لتلك المدونة، وكيف أعاد إنتاجها في وعيه، ليرسم صورة الشرق ومتخيل الشرق على الرغم –من التباس- صورة الشرق لدى المستشرقين أو الباحثين على حد سواء.
كل ذلك قد وقف عليه الدرس النقدي ومازال يبحث في جغرافيا القص وتقنياته، عن استراتيجيات خطاب الليالي، ومنطوق شخصياتها المولّدة، والمحايثة للمتخيل الإنساني، في سيروراته وانعطافاته اللافتة، فكيف إذن نستعيد قراءة «ألف ليلة وليلة» التي كانت نتاج مثاقفة واعية بين الشعوب المختلفة، وكيف ننتجها ببنية عربية خالصة، خارج تأويل المسكوت عنه فيها، وامتحان لغتها وملفوظاتها التي طالما شكلت سجالات لم تنته بعد، أي بمعنى إشكالية الأبعاد الأخلاقية، والتي كان لها انعكاسها في «الجرح والتعديل» على المدونة الأساسية، أو ما قيل بخدش الحياء، ومعه تباينت الطبعات بين التشذيب وبين الأصل، لكن ذلك أيضاً لم يعد مهماً لطالما مثلت، أقنوماً من أقانيم الأدب الخالد، ولا شك بأننا اليوم في استعادة القراءة وبمنظورات مختلفة لبنيتها الفنية، سنقف بحداثة السؤال على ما تعنيه –تلك المدونة- في الوعي الثقافي العربي، من أنها لحظة من تاريخ الرواية في أبعادها التأسيسية، والتي استنهضت شواغل مبدعين سوريين كبار، استلهموا روح الليالي وكانوا جسراً من التراث والأصالة إلى الحداثة، بانفتاح دلالة الليالي وتعددها، وثراء فتنتها في المتخيل والوجدان.
ولعل أسئلة التلقي الجديدة لها، وفي سياق قراءة غير منتهية أيضاً، ستُحيلنا إلى مضمرات سردية/ شعرية، ربما تجري مقارنتها في ضوء تاريخ الرواية العالمية، وسنقف على غير نتيجة تفيدنا بأن الأجيال الجديدة في اتصالها مع هذا الأثر الفني، ستذهب إلى دلالة المتخيل بوصفه قيمة مضافة، لتعيد إنتاجه في ماهية وعيها للرواية، وأكثر من ذلك ستبدو «أنساقها ومضمراتها» بوعي شرطها التاريخي، أكثر تحفيزاً للدرس النقدي، وخلقاً لاتجاهات في النقد لا تقوم على استئناف ما تواتر من أبحاث جدية، أكثر حداثية في تأمل المنجز في ضوء لحظته واختراقه للغات جميعها.
أحمد علي هلال