ثقافة

“بدوي الجبل سيف الشعر العربي الحديث”

أطلق الراحل يوسف العيسى صاحب جريدة “ألف باء” الدمشقية على الشاعر محمد سليمان الأحمد لقب “بدوي الجبل” وذلك تمييزاً له بين مثقفي الجبل، فشعر البدوي يمثل الشعر الكلاسيكي من حيث تحقيق التوازن بين الخيال والفكرة، وقد حلّ الشاعر السوري الراحل بدوي الجبل ضيفاً على ندوة الأربعاء الثقافية الشهرية بعنوان “بدوي الجبل سيف الشعر العربي الحديث” في قاعة الدراما بدار الأسد للثقافة والفنون.

الجد الخالد

ترعرع الأستاذ محمد الأحمد وزير الثقافة في بيت جده الذي كان بمثابة صالون أدبي يزوره قامات أدبية وعربية، وقد بدأ الندوة بحديثه عن بدوي الجبل فقال:

حين سئل الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري “من هو أكبر شاعر في هذا العصر؟ أجاب بدوي الجبل وشاعر آخر”، وقال نزار قباني “إنه السيف اليماني الوحيد المعلق على جدار الشعر العربي في حنجرته ألف لبيدٍ وألف شريفٍ رضي وألف بحتري، لا يسعك إلا أن تنحني أمام عبقريته وترفع له قبعة الاحترام”، ووصفه الشاعر سعيد عقل: “بدوي الجبل ليس أحد قلائل شعراء العربية فحسب بل أحد قلائل شعراء الدنيا”، وسئل عبد الله بردوني “ما عيب البدوي؟ فأجاب: عيبه رتابة التميز”، أما الراحل محمد الماغوط فقال: “بدوي الجبل آخر جمرة في صقيع الشعر العربي”.

وطنُ بدوي الجبل أمته ومجد قومه، وهي المحبوبة المعشوقة التي تثقله حتى يصبح على ما هو مجنون ليلى، وقد قال صديقه الأقرب الروائي الكبير الراحل عبد السلام العجيلي عنه “بدوي الجبل خالد في الخالدين”. وقرأ حفيد بدوي الجبل بعض أبيات من قصائده منها رثائه لإبراهيم هنانو، وقصيدة تغنى فيها بحفيده الأستاذ محمد الأحمد “كونه الحفيد الأول” ويقال أنها من أجمل قصائد الطفولة في الشعر العربي، والبيت الذي يعتبره أدونيس من البيوت العالية جداً:

“أتدري الربى أن السموات سافرت        لتشهد دنيانا فأغفلت على الربى”

بدوي الجبل يبقى طرباً للعاشقين وفتنة للمثقفين وزاداً للمفكرين وغذاءً للعاطفيين، وختم الأحمد بقول لبدوي الجبل:

“سيذكرني بعد الفراق أحبتي          ويبقى من المرء الأحاديث والذكر

ورود الربا بعد الربيع بعيدة          ويدنيك منها في قواريره العطر”

 

رواد الحداثة

يقول البعض أن ندوات الأربعاء الثقافي تستذكر الأموات وتنسى الأحياء فيرد عليهم مدير الندوة د. إسماعيل مروة الندوة قائلاً:

الهدف من هذه الندوات أن نستذكر مواقف الأدباء الوطنية لنتعلم ونكبر ونكرم أنفسنا بهم، ولنسترجع في ظل غياب الثقافة القرائية بعض مواقفهم العظيمة التي من الممكن أن تغني حياتنا، والتي تعد أعلى من المواقف التي نتخذها اليوم، هؤلاء جنت عليهم بلادهم ولكنهم لم يجنوا على أحد، لذلك يقول بدوي الجبل:

“دع الشآم فجيش الله حارسها       من يقحم الغاب يلق الضيغم الحردا

ونحن في هذه الندوات لا نعود إلى شعراء من العصور الجاهلية وإنما إلى رواد عصرنا الحديث لعلنا نعود إلى الحداثة التي بدؤوها وأهملناها.

شام الحبيبة

ولم يبالغ د. حمود يونس عندما قال “لا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من كلمة الشام” فهي موجودة في كل شعره، لذلك اختار عنوان محاضرته “الشام في شعر بدوي الجبل” فتحدث:

الشاعر الكبير بدوي الجبل قامة من القامات السورية الكبيرة، ويقف في الصف الأول بين الشعراء المعاصرين، وشعره يذكرنا بأشعار الكبار أمثال المتنبي وأبي تمام والبحتري، واخترت موضوع “الشام” في شعر البدوي ووجدت أن حديثه عنها يأخذ نمطين: الأول: حديثه عن الشام في قصائد خاصة مثل “دمعة على الشام” و”أهوى الشآم”، والثاني: جاء فيه ذكر الشام ضمن ثنايا القصائد وارتبطت “الشام” بموضوعات كثيرة مثل العروبة والقومية، والقضية الفلسطينية والشهادة والشهداء قيمة القيم، ويتحدث بدوي الجبل عن الشام حديث المحب فهي الأم والحبيبة والوطن والمكان الذي يستحق أن يعاش فيه.

المرحلة الفكرية

وتحت عنوان: “أضواء جديدة على شعر بدوي الجيل” تحدث الشاعر صقر عليشي عن المرحلة الفكرية في حياة بدوي الجبل، قائلاً:

يعد بدوي الجبل من أهم الشعراء الكبار العرب والعالميين، وهناك خصائص كثيرة تميزه عن غيره منها الديباجة والأسلوب والرقة والسهولة والتنوع في المواضيع، وأنا شخصياً سأتكلم عن موضوع منسي نوعاً ما وهي المرحلة الفكرية التي عاش فيها شاعرنا البدوي، حيث لا نجد فيها قصائد الرثاء أو المديح، بل قصائد إنسان يتأمل في الكون والأديان والشرائع ويعطي رأيه. وفي المرحلة الأخيرة من حياته دخل في الحراك السياسي وأصبح نائباً ووزيراً، ورغم ذلك لم يمل أبداً من كتابة شعر في الحنين وشعر إنسانيً يعد من أرقى التجارب الشعرية.

المتنبي وبدوي الجبل

والعظماء وإن رحلت أجسادهم تبقى أشعارهم، وبدوي الجبل وإن رحل في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن شعره مايزال قلائد باقية على وجه الأرض. بهذه الكلمات قدم د.محمد قاسم محاضرته بعنوان “اللغة الشعرية عند بدوي الجبل” وقدم من خلالها شواهد شعرية للراحل ولشعراء آخرين وأضاف: بدوي الجيل قامة شعرية ضخمة وشامخة، ويذهب الكثير من النقاد إلى أنه بينه وبين المتنبي الذي عاش في القرن الرابع الهجري من قوة قوافيه وديباجته الصافية العالية التي وصفها بأنها وطن الشعر من لغة جميلة مشرقة إلى قدرة على المجاز وتراسل الحواس وكل ما يمكن أن يصادف القارئ في شعر المتنبي يجد نظيره في شعر بدوي الجبل، وربما فاقه البدوي في مواقف كثيرة من شعره.

جمان بركات