ثقافة

رموز و تعابــير

“كنت أسير مع صديقين لي على طول الطريق، الشمس تغيب، فجأة تحولت السماء إلى شرايين من الدم القاني، كانت عروق ودماء من النار تطفو على سطح الماء الأزرق القاتم فوق المدينة، تابع صديقاي السير، بينما توقفت أنا مرتعشاً قلقاً، كأن صرخة مدوّية تسري عبر الطبيعة من حولي”. طبعاً هذه هي قصيدة الحب والحياة والموت، قصيدة الصرخة التي عبّر عنها “إدوارد مونش” أصدق تعبير.
كثيرة هي الرموز والأفكار في الفن عموماً وفي فن الكاريكاتور خصوصاً، وكثيرة هي الحالات التعبيرية التي تترك المجال لبوح متناسل من عمق المفردات الشكلية المتجانسة مع ذاكرة الفنان.
ويبدو أنّ الحالات التعبيرية  تشكّل سيادة خالصة بإيقاعات تخيّلية لها دلالاتها  الحسيّة في طرح الممكن تتجاوز حدود الإطار الشكلي وتعرض شريطاً مصوراً تعكس فيه واقعاً موغلاً في الزمن.
إذاً هو التعبير، فالبوح لم يتغير، ولكن المتغيرات المادية قد جعلت هذا المفهوم مسكوناً بقدرة الفنان على التوصيل المتآلف مع سطح عمله. فمن جدران المعابد إلى أعمدة الصحف، ثمة مفردات مشدودة لوقائع تغيرت شكلاً بحكم التطور التقني ومرزكشاته اللونية وإبهارها. منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد صعد طائر إلى أعلى الشجرة بوساطة السلم رغم وجود الجناحين..! والأمثلة كثيرة في هذا السياق التعبيري الذي ينقل المتلقي إلى لحظات الحلم وتجلياته.
ونسأل: هل التعبير عزف منفرد لنظرة أحادية غارقة في تأويلات فردية؟ أم سير على حافات رصيف المفاهيم الفنية المتعارف عليها؟ أم ماذا؟
قد يختلف كثيرون في توصيف الحالات من مشاهد ورؤى، ومنهم من يرى في التعبير عملية خلق بأثواب جديدة، ولكن “براك” يعارض هذا المفهوم بقوله: “إنّ الرسام لا يحاول أن يعيد خلق وضع ما، إنما يحاول أن يبني حقيقة متخيلة”.
إذن، مابين حوارية الخلق وبناء الحقيقة المتخيلة محاكاة جدلية لرؤى وأحاسيس تأخذ مداها المجدي في طرق بوابات التأمل والفهم والتعرف.
هذي البوابات، تشكّل فعلاً تضمينياً يتجاوز حدود اللوحة الشــكلية وإطارها.
إن قدرة المتابع أو القارئ على الكشف والتحليل، ماهي إلا مساءلة مخفية ومواجهة صريحة مع نقيضين إشكاليين في فن الكاريكاتور، هما: المخفي والمرئي، فتُتَّهمُ الأعمال التي تندرج في سياق التعبير المفرط أو الكاريكاتور الفلسفي، بالغموض الموسوم بسرد ذاتي مفرط يحدُّ من وتيرة التلقي والاندماج مع سرديات النص التشكيلي المفتوح على تأويلات متوالدة. وأما المرئي وملامحه، فيبدو للوهلة الأولى مكونات ورسائل بصرية تدور في فلك الانطباع الأولي الذي يختزل مســافات طويلة من البحث واستيعاب المحرّض العقلي. ويشكّل الاستدلال والبحث في مضامين العمل الفني حالة من التحليل المنطقي وتركيبه.
ويبدو أن العائد المعرفي يحتاج إلى مقدمات يقينية، ومن دونها، اتجاه في طريق الغرق التأويلي، والالتفاف في دائرة الاستنتاج، وهذا يعني الفنان أكثر من غيره.
وهنا لابدّ من القول إنّ استيعاب المضامين يمر بمراحل، أولها معرفة المصطلحات التي غالباً ما تُستورد من ثقافات متعددة بعيدة عن مناخنا، وصولاً إلى حالة التلاقح في حقل المعرفة الواسع. ولاحقاً، تُشكّل الرموز والتعابير والاشتقاقات في فن الكاريكاتور معيناً وإقراراً بمرونة هذا الفن وسلاسته..!
رائد خليل