ثقافة

أزمات درامية متلاحقة.. ولا أفق إلا العبث!

بالتأكيد لا يمكن الحكم على سوية أي من الأعمال الدرامية التلفزيونية السورية، سواء تلك التي نالها الحظ فدخلت الماراثون الرمضاني لهذا العام وبدأت القنوات العارضة ببثها مع بداية الشهر الكريم، أو تلك التي بقيت حبيسة الأدراج مؤجلة، بانتظار حديث آخر غير الذي كان، بعد التعامل غير اللائق بسمعة الدراما السورية وتاريخها، والذي حصل مع العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية السورية -التي كانت يوما ما، تكتسح الشاشات الفضائية من المحيط حتى الخليج- هذا الموسم أيضا.
ولا حاجة لذكر أسباب هذا التدهور الإنتاجي والتسويقي، واضطرار العديد من شركات الإنتاج – خصوصا ذات رأس المال المحدود- إلى الإبقاء على أعمالها التي أنتجتها هذا الموسم، مغلفة بشرائطها، بينما حكاياتها نائمة بشخوصها في العلب، متذمرة من الحال التي وصل إليها هذا القطاع، كما حدث مع “سايكو” وأعمال أخرى، وما تلاه من أخبار تناقلها الوسط الفني والإعلامي السوري والعربي، عن تعامل بلا أي أخلاق مهنية، وغير مسبوق أيضا، وقع من قبل القنوات العارضة، بحق معظم هذه الأعمال، ما دفع الفنانة “شكران مرتجى” لإطلاق حملة على صفحات التواصل الاجتماعي تدعو فيها الجميع للتعاضد مع هذه الصناعة، التي وصفت يوما ما بأنها من الصناعات السورية “الثقيلة”، وذلك تحت عنوان لـ “هاشتاغ” #أنا_مع_الدراما_السورية. والذي تفاعل معه الكثير من أبناء الوسط والمهتمين والمتابعين، ومنهم من أدلى برأيه حول المآلات المخيبة التي وصلت إليها حال “درامانا” مقترحا بعض الحلول الاسعافية والإنقاذية، والتي لا يمكن التعويل عليها، إلا إذا كانت محلية مئة بالمئة أولا، وقابلة للتحقيق ببعض التخطيط الاستراتيجي، فرمضان القادم قادم، وسوق البث التلفزيوني الرمضاني لن تتوقف لوثته كما يبدو، ولا بد من التعامل مع هذه الأزمة الدرامية، التي لا علم لدينا إن كانت ستنتهي العام المقبل، فيما هي مستمرة منذ ست سنوات! أم أنها ستستمر، لكن لا بد من القول أن العديد من هذه الاقتراحات، يدخل في حيز المنطقي والمعقول، لا سيما تلك التي ذهبت، نحو جعل قنواتنا المحلية الرسمية، هي المنفذ الأول لعرض هذه الأعمال وشرائها قبل الجميع، طبعا بعد لجم حالات التشتت والهدر المالي، الذي تعاني منه معظم قطاعاتنا الرسمية، ولن تكون تلك المحطات استثناء، طالما أن العقلية في التعامل مع واقع الحال، هي عقلية “تمشاية حال”!، فلماذا -حسب أحد المشاركين في اقتراح الحلول-إذا لدينا محطات تلفزيونية مختصة بهذا الشأن؟ ولماذا لا تعمل القناة التي تم إطلاقها لهذا الغرض، على حل هذه المشكلة؟ سيما وأنها كما قلنا، من المنافذ القليلة الباقية لإطلالة هذه الدراما على العالم؟، وعلى هذا، يجب أن تكون جميع الأعمال الدرامية السورية المحترمة – بما انه يوجد أعمال أخرى غير لائقة ورغم ذلك لها سوقها الخليجي تحديدا-  موجودة عليها تحديدا، بمعنى آخر: ما حاجة محطات فضائية سورية – منها ما هو مختص بهذا الشأن-، لأن تشتري عملا ك “باب الحارة” وهو يُعرض على عدة قنوات ومتابعة بشكل جماهيري واسع، بحيث لا يمكن للقناة المحلية على الأقل في الوقت الحالي مجاراتها، بينما العديد من الأعمال الأخرى، الأكثر أهمية بما لا يقارن مع العمل السابق الذكر، تخرج من حسبانها؟.
لا يجوز الآن أن يكون تفكير هذه القنوات محصورا بأي عمل نشتري؟ ذاك المتابع من قبل الجمهور سلفا، أو ذاك الذي بحاجة فرصة لأن يقول مقولته ويدلي بدلوه؟، خصوصا إن كان ذا سوية فنية لائقة فكريا واجتماعيا ومهنيا! ويجب على هذه القنوات أن تلعب دورا رياديا في حصرية العرض، هكذا تصبح متابعة ولها جمهورها وليس العكس، حيث أثبت واقع الحال مرارا، أن الدراما السورية لا تُقاطع، ومن يقاطعها هو الخاسر لا هي، والأمر ليس شاقا كما يبدو عليه الأمر، وهو بحاجة إلى تضافر الجهود المؤسساتية المختصة بالشأن الفني والثقافي العام في البلد، وعوض الهدر المالي الذي يحدث بلا فائدة هنا وهناك، ببرامج وأعمال فنية متنوعة لا ترقى إلى درجة العرض حتى،- سيكون لنا وقفة معها- يمكن تقديم خدمة جلية لهذا القطاع الذي سيصبح إذا بقيت الأمور كما هي عليه، عبئا علينا وعلى إرثنا الفكري والثقافي والفني، أكثر منه حتى استمرارية لا معنى لها، طالما أنها لا تحمل بذور استمراريتها الصحيحة معها، وعندما نتكلم عن عمل مؤسساتي، فنحن نقصد جميع المؤسسات التي يمكن لها أن تقدم دعما مهما لهذه القنوات، تستطيع من خلاله، إيصال ولو طيف مشرق ومهم من الأطياف العديدة الموجودة لدينا وبوفرة.
أيضا الموضوع بحاجة إلى بعض الضمير من قبل شركات الإنتاج المحلية، سواء الرسمية أو الخاصة، والتي لا يعنيها الوضع المذري لأعمال درامية سورية أخرى، طالما أن سوقها “ماشي” بطريقة ما، لسنا في وراد ذكر صفتها الآن!، يجب أن يكون لهذه الشركات دورها المهم في الحفاظ على السوية الدرامية التلفزيونية المحترمة، والعمل بمهنية – خصوصا من قبل شركاتنا الرسمية، طالما أن شركات الإنتاج الخاصة، لديها حساباتها الخاصة، والتي يجب أن تراجعها طالما أنها تعمل في البلد وبمقدراته “لوكيشنات تصوير- ممثلون- موافقات وغيرها- لتقديم عمل درامي تلفزيوني واحد محترم على الأقل، لا عدة أعمال ذات سوية هابطة، تراعى فيها المصالح الشخصية الضيقة، أكثر مما يراعى فيها الحال العام لهذا القطاع!.
قنوات العرض المهمة وحتى شركات الإنتاج الدرامية الضخمة، هي بحاجة لما تقدمه الدراما السورية من أفكار ونجوم وغيرها من متطلبات العمل الدرامي التلفزيوني الناجح، وليس العكس، والموضوع ليس بحاجة لاختراع قنبلة ذرية كما يقال، بل هو بحاجة تخطيط استراتيجي محكم، لا دور فيه لا للمصالح الضيقة ولا “الشللية” ولا لغيرها من آفات هذا المجال، خصوصا تلك التي فاحت رائحتها وزكمت الأنوف!.
تمّام علي بركات