ظاهرة النحت في الشوارع انتصار للأفكار الجديدة هشام المليح: هاجسي أن أحول كل ما أراه إلى عمل نحتي
يضيف الفنان التشكيلي هشام المليح بصمته على الطبيعة أينما حل ويحول الصامت إلى حي ينطق، فينحت من الجامد منحنيات ذات بعد ومعنى، ويعطي المكان لمسة جمالية بأدواته الخاصة وأعماله النحتية، ولأن شغف المليح بالنحت لن يتوقف، وبعد عمله النحتي الأخير على الشجرة في منطقة محيط جسر الرئيس، ينشغل هذه الأيام بعمل جديد على شجرة في منطقة القصاع يركز فيه على (المرأة والكتاب)، وعن عمله الجديد وشغفه بالنحت، يحدثنا المليح قائلاً:
لدي هاجس بأن أحول كل ما أراه إلى عمل نحتي فالأشكال في الطبيعة دائماً بمنظوري تتحول إلى منحوتة ومن هنا تبدأ الفكرة وهو استغلال المادة الموجودة وهي الشجرة، وعملي الحالي اعتبره جزءاً من إعادة الإعمار وبناء الفكر والحجر والوعي وحالة دفاع عن الهوية والثقافة السورية في وجود القبح البصري، فالعمل النحتي المطروح في الشارع يخلق حالة ديناميكية مباشرة مع المتلقي تنعكس عليه داخلياً، فهو عندما يراقب النحات يعمل أمامه لابد ستُخلق لديه حالة بحث.
منظور مختلف
يتابع المليح: بداية طرحت عدة دراسات (اسكتشات) لمحافظة دمشق وتم قبول إحداها من قبل المحافظ، وقد بدأت العمل بشكل فعلي في أيار الماضي وباشرت بعدها بوضع تصور يناسب الكتلة والفراغ وطبيعة المكان الذي أوحى لي بالموضوع وهو علاقة الأنثى بالكتاب والمجتمع، ولأن الأنثى هي محور العمل حاولت أن أظهر العملية التبادلية بينها وبين الكتاب وأن كلاهما يقدس الآخر، وكذلك هي حالة دفاع عن الثقافة ودعوة للنظر إلى المرأة بمنظور مختلف عن النظرة المشوهة لها، والكتاب هنا ليس مجرد كتاب إنما رمز للمرأة المدافعة عن فكرها وكرامتها.
رموز ثلاث
عملي يحمل معنى روحانياً –كما يقول المليح – وما يخدمني فيه هو ثلاثة عناصر ترمز للحياة والروح وهي الخشب والكتاب والمرأة, وجميعها حساسة، إذ أنني أحاور بهذا العمل أرواح ليس بالبسيط التعامل معها، كما أن هذه العناصر كل منها يخدم فكرة العنصر الآخر، فالخشب له قدسية وتاريخ عند الأديان وفي الحضارات، والكتاب هو الشيء الإلهي المنزل، والمرأة تمثل المجتمع، وهنا تكمن جرأة وحساسية وأهمية الموضوع، موضحاً: كذلك عندما أعمل على هذه العناصر فإنني أخلق حالة تحدٍ بيني وبين نفسي لطرح وتقديم وإخراج هذه الفكرة للمجتمع حتى يفهمها، خاصة أننا في هذا الوقت للأسف قليلاً ما نرى أعمالاً فنية تقدس الأنثى فهي غالباً ما تمثل الجسد العاري أو أداة لإشباع الغريزة، بينما اعتبرتها في عملي تمثل المجتمع وتعبر عن ثقافتنا، وهناك دور إيجابي لطبيعة المحيط حولي وللناس، وكذلك من الأشياء الملهمة هو وجود الأديبة كوليت خوري في تلك المنطقة.
ثورة بصرية
وأكد المليح على تقديم العناصر الواقعية المبسطة وإخراجها مِمَا تعاني منه في الوقت الراهن من عبثية في الشكل وفوضى في النتاج الفني، ولذا يعود نتاج عملي على تهذيب الوعي البصري والإحساس بالمادة الواقعية للمحاطين بها، كما أن تطور المجتمع فنياً يبدأ بعمل ثورة بصرية فنية داخل المجتمع، وعلى الفنان أن يبدأ بالعناصر الواقعية ثم ينتقل بشكل تدريجي إلى الشكل التجريدي الواقعي وطرح ما قد يكون مفهوماً للمجتمع، فالفنان ابن المجتمع ولا يمكن له طرح أفكار غير مفهومة لدى العامة وإلا عاد الفنان لبرجه العاجي، مركزاً على خلق وصناعة إنسان متحضر ثقافياً وبصرياً، بعرض أشكال بسيطة بعيدة عن الفوضى السمعية والبصرية والذوقية التي نعيشها يومياً وتتخلل أجسادنا وأحاسيسنا على شكل هرمونات وتنشئ جيلاً بعيداً كل البعد عن المادة الحسية رفيعة المستوى والذوق، لذا على الفنان أن يقوم بثورة حقيقية يتحدى بها كل ما تصنعه سلبيات التطور الحضاري والإنساني بإعادة تهذيب الشكل والإنسان.
النحت في الشوارع
ودعا المليح إلى انتشار ظاهرة فن النحت في الشوارع بشكل مباشر مع المتلقي لتأكيد الوعي والثقافة البصرية وتوليد حالة الاعتياد على الأعمال النحتية، إذ أننا نفتقر كثيراً لهذا الموضوع، منبهاً إلى ضرورة أن تقوم جميع مؤسسات الدولة بالتشجيع والرعاية وأولها وزارة الثقافة ووزارة السياحة، مع العلم أن محافظة دمشق لم تتوان عن الدعم في هذه الناحية، مؤكداً أن انتشار الحالة الفنية في المجتمع تمثل حالة استقرار ذهني وروحي للفرد، فيصل إلى حالة تآلف بين داخله والواقع الخارجي، كما أنه يولد عند الفنان والمتلقي انتصاراً للأفكار الجديدة بنواحي الحياة العامة وليس فقط لتطوير الفن وإنما الإنسان بكل مجالات حياته، مضيفاً: أنه دائماً ما يقاس تطور المجتمعات في العالم بتطورها الفني، والمجتمع يؤثر بشكل كبير على هذا التطور لأنه يطلب من الفن أن يخدم تطلعاته المادية وإشباع رغباته الجمالية والإبداعية.
لوردا فوزي