ثقافة

“أيها العابر.. أيها الغريب”.. قراءة في أبجدية المعاني الحياتية

إنه كتاب للشاعر بديع صقور، يحمل بعنوان قصيدته الطويلة المستوحاة من بيان الشاعر السوري من العصر الهيلنستي “ميلاغر” من عام 140 ق.م, وعلى مشارف العام 2016 بدت القصيدة بإسقاطاتها كرحلة في فراديس سورية كأرض وناس وتاريخ وحكايات وقضايا..! رحلة تشبه ملحمة فكرية متضاربة الرؤى, تصب في خانة المواجهة مع مرآة الحقيقة, وفيها تقمص روح  الشاعر “ميلاغر” واستنطقه ليقرأ العصر الحالي.. إذ يقول:
أيها العابر..!
أيها الغريب..!
وأنت أيها المبشر بنبواءت الظلمة
وفوضى المارقين
إن مررت من هنا
وشاهدت أرضا مغطاة بالورد والشقائق
هذي هي أرض سورية
أنا “ميلاغر “السوري طوفت في الكثير من عواصم ومدن العالم، غنيت مع الشيخ إمام: “آه يا عبد الودود يا الرابض على الحدود أمك تسلم عليك..”.
ويتابع في مقطع آخر من القصيدة ليصل إلى تصوير حالة بطريقة القصة القصيرة جداً:
لم يكن صديقي الفرنسي جيرالد
حميمياً حينما التقيت به في باريس
ولا ذلك الشرطي الذي يهزني في مطار “أورلي”..
لكأنه يعبقر أفكاره وأحلامه ومشاعره لتكون زوادة خلاص من أسئلة الحياة, وسفينة تبحر في عباب الأيام بلا مجداف, فالحقيقة مجموعة النقائض, والأحلام هي التي تعطي معنى للواقع لديه.
الشاعر يسمح لك بقبول المعقول واللامعقول من الأفكار والصور، إذ هو يسيل من الحبر على أوراقه, كل ما يطرق على أفق خياله المجنح حينا والمهووس أحيانا, كأنه يقول لك كل ما في خبايا عقلك ونفسك من عبث, ومن تمرد, من رؤية ومن وجد هو صحيح ويوثق في بحر الكلمات, فالضباب لديه حقيقة والندى ضحية..؟!
إذ يقول:
نصعد تلالا من الوهم نتردد بفتح نوافذنا للمدى..
خوفا من أن تسربلنا الخيبة بالهزائم
أو أن يحاصرنا صقيع القمم..
ومن أخرى نلتقط هذه السريالية المعبرة للفكرة إذ يقول:
قبل أن تصعد فراشة الروح
غسلت قميص طفولته ونشرته على حبل الصباح
وعندما جف طوته في خزانة للقلب
رشته بعطر روحها كي يرتديه نظيفا
معطرا بحليب الأمومة عندما يعود
في شعره الكثير من التساؤلات الوجودية, التي تجعل من البوح حالة فلسفية تنبعث من نسيج النثرية الجميل كما في قوله:
كيف نحلم بالطمأنينة في غابة من رصاص؟!
معك رصاصة
معي زهرة
إذاً كيف سنلتقي..؟!
الشاعر يكتب برؤى تحيط بأبعاد الواقع وتجسده بحقائق من الحياة  كالحكمة والمشاعر المنوطة بها, إنه يلتقط المشهد بطقوسه المختلفة, ليبدو كتابه هذا رحلة مشوقة في فراديس الوجود, ولكن من خلال رسالة واضحة لكل قصيدة..
لقد كتب النثرية الدرامية من خلال حكايات وأفكار ومشاعر وفي سريالية مشهدية, تشد القارئ وتبقيه في نشوة السفر مع خبايا الصور المنثورة والمتروكة لفكره وحذقه.. وقرأ الحالة الوجدانية والطقوس الدينية في لوحاته  كما في قوله مع أمه الراحلة:
صديقتي الحميمة جدا ص13
امرأة لا أعرفها..
امرأة  وإن تباعدنا فالنفس أمارة بالشوق
ومن ص71:
نحن ضيوف على هذه الأرض
لماذا نتعادى ونتباغض ونفترق
هذا مؤمن وهذا كافر
نتقابل بخنجرين..
من منا وكيل الله على الأرض..
لقد طاعته العبارات الخارجة عن ناموس المعنى المتعارف ليصل إلى فضاءات تعبيرية هي من نسج السطور المنظومة بعفوية وشاعرية خاصة:
لحظة القبض على أشواك الصدى..
انكسر قيد الغياب
القراصنة بحار من دم
الطغاة أقبية من موت
ليلة القبض على حمار الخوف
تتسع حدقات الشوارع على قميص روحك تزهر البشائر
الكتاب صادر عن دار ليندا للطباعة في 2012 ويقع في 126 صفحة من القطع الصغير.
رجائي صرصر