ثقافة

“سنة أولى زواج” كوميديا لايت في قطيعة مع الواقع

اختارت شركة “لاند مارك” في أول إنتاجاتها الدرامية التي قررت فيها دخول عجلة الإنتاج الدرامي الرمضاني لهذه الموسم، الخيار السهل والمريح والبياع غالبا، مسلسل “سيت كوم” متصل منفصل، بعنوان “سنة أولى زواج” تأليف نعيم الحمصي وإخراج يمان إبراهيم، العمل الذي يحصد نسب متابعة طيبة من شريحة واسعة من الشباب بتنوع أعمارهم-في هذا الموسم الدرامي الذي وصف بأنه الأسوأ خلال السنين الماضية-، بين مراهق وأربعيني، وصبية في مقتبل العمر وأخرى في الأربعين، سواء كان على المحطات المحلية التي يعرض عليها وحتى في المحطات الفضائية الأخرى، التي وجدت فيه عملا دراميا كوميديا جيدا وقابلا للعرض وتحقيق المتابعة الجماهيرية المطلوبة.

وبما أن العمل من نوع “سيت كوم” الذي ظهر بداية في أمريكا القرن الماضي، فأماكن التصوير أقل بكثير، باعتبار أن التصوير غالبا يتم في مكان واحد وأستوديو غالبا، ما انعكس إيجابا على العديد من المصاريف الإنتاجية الأخرى، كالمواصلات والأجور الإضافية المترتبة على الأعمال الخارجية، والكثير من التفصيلات الإنتاجية التي تخف مصاريفها وبالتالي يصبح لديها –أي الشركة-فائضا في الميزانية لتطوير الشكل الفني للعمل، من تصحيح ألوان ووضع شارة درامية مناسبة، واستقطاب نجوم كضيوف يقدمون لمسة نوعية للعمل وحتى تحسين أجور الممثلين.
و”الست كوم” من أنواع الأعمال التلفزيونية التي تفضل الشركات الجديدة في سوق العمل الدرامي التلفزيوني عادة البدء بها، ريثما يشتد عودها وتصبح قادرة على تقديم أعمال ذات ثقل درامي مختلف– كما نأمل طبعا-.
يحكي “سنة أولى زواج” الذي يتقاطع والمسلسل المصري “زوجة مفروسة أوي” وغيره من الأعمال الدرامية التي قدمت في السابق العديد من الأعمال المرتكزة على علاقة الزوجين ببعضهما وبمحيطهما وأثرهما وتأثرهما “تامر وشوقية” “جميل وهناء” “هو وهي”، يحكي قصة شاب وصبية في مقتبل العمر، يرتبطان برباط الزواج المقدس، وتبدأ حياتهما معا في بيت الزوجية – مسرح الحكايات الثلاثين- لنطل من خلال الأحداث التي تجري بينهما على طبيعة الزواج في عامه الأول، وطبيعة هذه العلاقة التي تصبح تحت الاختبار بشكل فعلي، بعد أن بدأت الحياة الجدية، فالعام الأول من الزواج عادة ما تكثر مشاكله، وذلك بسبب بداية تعرف كل طرف على الطبيعة الخاصة بالطرف الآخر، وهي الفترة التي، تحدث فيها مفاجآت مهولة لكل من الطرفين على مستوى علاقته بشريك حياته الآخر، وما يكتشفه من سلوك أو جانب في شريكه لم يكن يعلمه فيه قبلا.
وبعيدا عن الأعمال التي تذهب لتحاكي الواقع فمرة تقدم خليطا عجيبا من السادية والقبح، ومرة أعمال البيئة، التي خرجت من أنف الجمهور السوري والعربي كما يقال، و بعيدا عن مشاكلها التسويقية وقصص “السمسرة” التي تحصل تحت الطاولة وفوقها، لإيقاف هذا العمل أو ذاك، يكتفي “سنة أولى زواج” بمحاولة تقديم عمل اجتماعي “لايت كوميدي” يقدم مجموعة من الانتقادات الاجتماعية للعديد من المشاكل التي تقع غالبا بين الزوجين في بداية حياتهما المشتركة، وذلك في عدة قوالب درامية، ستكون الكوميديا الخفيفة أكثرها حضورا، سيما وأن العمل ليس مهتما بتقديم أي مقولة فكرية أو فلسفية عميقة، ولم يذهب لتقديم إسقاطات على الراهن المحلي التي صارت أكثر من الهم على القلب في مجمل الأعمال الدرامية السورية بأنواعها “سينما-مسرح-تلفزيون-” خلال السبعة العجاف التي مرت، لكنه اكتفى بتقديم مقطع عرضاني من شريحة اجتماعية – العرسان الجدد- – مشاكلها- مصاعبها- جمالها أيضا- فهذه الموضوعة أو الثيمة بحد ذاتها مكتفية “بدراميتها” التي يمكن أن تذهب نحو أكثر من خيار في القص التلفزيوني للحكاية، تلك التي تتوالد عنها حكايات أخرى لا تنتهي، حتى أنها يمكن أن تحول لأجزاء عديدة،ويبدو خيارا موفقا من المخرج في انتقائه كل من النجمة السورية “دانا جبر” التي أدت شخصية “رولا” والنجم الشاب “يزن السيد” يؤدي  شخصية “قصي”، للتصدي لبطولة العمل، حيث جاء أداء “دانا” منسجما وطبيعة دورها، كفتاة عصرية جميلة ودلوعة، متزوجة بكاتب وصحفي يعمل بالشأن الفني، كما تحقق أيضا الانسجام الفني بين كل من “جبر” و”السيد” في تقديمها لهاتين الشخصيتين، وهذا ما أعطى لكل حلقة من حلقات العمل روح مختلفة، إن كان من خلال الضيوف الذين سيحلون على العمل في كل مرة محققين عنصر الاختلاف بالقصة وبالشخصية، التي ستدخل على حياة الزوجين ويكون ما يكون لها من أحداث لها آثارها، تقع أيضا ضمن خانة “الكوميديا” الخفيفة، أيضا حضور العديد من الفنانين السوريين الكبار والمحببين في هذا العمل، أعطى له روحا ونكهة فيها ما يحبه الجمهور من عناصر دهشة ومفاجأة وجمال أيضا، فهاهي الفنانة الكبيرة “مرح جبر” تقدم أداء كوميديا جميلا، والفنان الكبير أيضا “سليم صبري” بحضوره كنجم سوري يعيش خارج البلد، يقرر العودة للعمل في دراما بلده ومع الجيل الجديد فيها من كتاب ومخرجين، وهذا قدم رسالة درامية مهمة لدور النجم الحقيقي لكن دون اصطناع أو مباشرة ومبالغة بالطرح، أيضا حضور فنانين شباب أضافوا للعمل بحضورهم أبعادا درامية وفنية أخرى، كما في الحلقة التي استضافت الفنان “أذنية العلي” وقدمت للمشاكل التي صار يعانيها هؤلاء النجوم مع “فانزاتهم” ومواقع التواصل الاجتماعي، كما قلنا ضمن قالب كوميدي معقول ومقبول.
إلا أن الأحداث أو المشاكل التي تنشأ بين الزوجين في العمل لسبب ما، غالبا هي مشاكل سطحية، بسيطة، لا تعتبر خلافات زوجية بقدر ما هي “مناغشات زوجية” يغيب عنها عمق الطرح وطبيعة المشكلة التي كان بالإمكان وبالقليل من العناية بالسيناريو، جعلها أكثر عمقا من خلال طرح المشاكل الحقيقية أيضا لهذه الشريحة الاجتماعية، فهاهنا تختلف الحكاية وكان من المفروض التعاطي بجدة مع هذا الشأن لا الاكتفاء بما قد يضحك ويغري بالمتابعة بعد إضافة اللمسات الخاصة ب “لوكشنات” الرومانسية أيضا، حيث نجمتنا الجميلة “دانا جبر” وكأنها خارجة للتو من عند “الكوافير” سواء كانت في غرفة النوم، أو في أي مكان أخر، إنها دائما جميلة ومثيرة، حتى وهي في “سابع نومة” ولكن دعونا لا ننكر أن “دلع النساء” وغنجهم ولطفهن وخفة دمهن، هي من العوامل الجيدة في التسويق الخارجي، خصوصا وأن الحصار المفروض دراميا على أعمالنا المحلية في أوجه، وكان علينا أن نتعامل مع الحصار الدرامي، وفق منطق صناعة العمل الأفضل، لا الاكتفاء بتقديم شبه عمل درامي، لا يدري غالبا ماذا يريد أن يقول.
سنة أولى زواج من الأعمال الدرامية السورية التي تقدم فرجة “خفيفة نظيفة” لا تريد أن تقدم تنظيرا لا طائل منه ولا مرتجى إلا الخيبة، وهو في هذا يكتفي بعيوب النوع وينجح في تحقيق المتابعة والبيع لأكثر من محطة أيضا.
تمّام علي بركات