ثقافة

مفاهيم مختلفة

جمان بركات

لم ينتظر النجار “الشاب” أن تجيب عليه الفتاة عندما عرض عليها عرضه المغري، دون سلام ولا كلام بدأ حديثه عبر رسائل الفيس بوك “هل تقبلين بشاب غير متعلم، لا يحمل شهادة تاسع”، تجيبه الفتاة باستغراب بعلامات استفهام كثيرة، ليصلها رده “بصراحة أنا أريد أن أتزوج من فتاة “مسأفة” من أجل أولادي المستقبليين، وبسرعة يلصق سؤالاً آخر ويقول لها ماذا تعملين؟ ويأتيه الجواب “أعمل في الجامعة”، وبدون أي تنبيه يعتذر منها ويقول لها متفاجئاً سأنسحب بكرامتي أفضل من أن تحظريني، أنا أريد زوجة “مسأفة” ولكن ليس لهذا الحد، تضحك الفتاة وتغلق المحادثة. ولم يتردد سائق “أمّي” أن يعرض الزواج على فتاة حاصلة على إجازة جامعية، فهو يرى حسب –وجهة نظره- أن الفتاة المتعلمة هي القادرة على قراءة لوحة “الميكرو” لتصل إلى بيتها.
إذا توقفنا عند المثالين السابقين نجد أن ثقافة هؤلاء الأشخاص البسيطين تعكس طيبة قلبهم وصدقهم، فقد كانوا واضحين وصريحين في عرضهم، وسلوكهم يبقى ضمن حدود مقبولة والمجتمع بأكمله يتقبله دون أن ينسفه، وأول فكرة تخطر للذهن عند سماع هذه القصة “ما أبسط هؤلاء الناس، يبحثون فقط عن معطيات خفيفة ليظهروا في المجتمع على أنهم يحملون ثقافة بريئة إن صح التعبير”، وإن قلبنا جهة البوصلة ووجهناها تماماً إلى المثقفين -أو من يمكن تسميتهم مدعي الثقافة-، نراهم أشخاصاً منافقين، فهم يتظاهرون ويتلبسون بثوب المثقفين، إن اضطر الأمر أن يسيروا وهم حاملين الكتب لن يترددوا في ذلك، وإن اضطر الأمر أن يمسكوا بالسجائر لم يمانعوا أبداً، وتصل حالتهم أيضاً إلى أن يتذوقوا أشياء لا يمكن أن يقوموا بها في الأيام العادية –عندما يكونون لوحدهم-، والمثال على ذلك عندما يتماهون مع الطبقة المثقفة ويحتسون قهوة المثقفين “سادة” وبعد الانتهاء من رشفها يختفون لأكل ملعقتين من السكر. في الواقع، يختلف مفهوم الثقافة من شخص لآخر، فمنهم من يراها في عدد الكتب التي قرأها، ومنهم بحضوره الأمسيات الشعرية والندوات الثقافية، ومنهم من يحمل الإجازة الجامعية، ومنهم من ينشغل في حوارات ونقاشات وما يتم طرحه في القنوات الإعلامية.
في النهاية، الثقافة سلوك وممارسة فعلية، وليست مجرد وسيلة يحصل الفرد من خلالها على امتيازات خاصة أو حياة مترفة باذخة ومكانة محصنة، واليوم نحن بأمس الحاجة لأشخاص حقيقيين، تكمن مهمتهم الأساسية أمام الأجيال الجديدة ومستقبلها، وليس لمدعي الثقافة فهم في الحقيقة أكبر إساءة للمجتمع.