ثقافة

“زهري وأخضر” بين غرابة الفكرة وإبداع الشباب

> مفرحة هي الروح التي طافت أنسامها بأرجاء صالة “تجليات” للفن التشكيلي، فرح ملون كان الشباب هم من أعطوه بريقه، بصخبهم وضحكاتهم التي أحالت المكان من معرض فني تشكيلي، إلى ملتقى إنساني اجتماعي، بين العديد من الأشخاص الذين صارت هذه المعارض تجمعهم ببعضهم البعض، لتنتج الحساسية الخاصة التي تعم أروقة الصالة، شعورا جميلا بالألفة وعودة زمنها الغائب.

هذا ما كان الحال عليه في “تجليات” التي ضمت أروقتها افتتاح المعرض التشكيلي “زهري وأخضر” للشباب دون سن الثلاثين، بحضور معاون وزير الثقافة “توفيق الإمام”، لتجيء تفاصيل هذا المعرض سواء تلك الصغيرة التي لا ينبته لها كثر، كالياسمينة الواقفة عند باب الصالة، التي كانت فرحة بكل هذا الحضور بصخبهم ورنين ضحكاتهم، أو تلك العمومية التي يراها الجميع، وتنشغل بها حواسهم حسب أمزجتها اللونية والحسية، ورد فعلهم اللاشعوري لما يشاهدوه من لوحات فنية فتية، تترك ما تتركه من انطباعات شعورية متصالحة مع ذاتها حينا، ومتناقضة في دلالاتها أحيانا، حيث اشتغل الفنانون المشاركون -وهم أكثر من 30 فنانا أو ثلاثين مشروع فنان تشكيلي قادم-على الفهم المتعدد الخلفيات للموضوع أو الثيمة التي طُلب إليهم التعامل معها، والاشتغال على خصوصيتها اللونية وفق تمازج هذين اللونين الموصوفين بكونهما من ألوان البهجة، خصوصا وأن معظم الفنانين، هم طلاب السنة الرابعة في كلية الفنون الجميلة، لكن هذه هي الفكرة الحقيقية من “زهري وأخضر”، هذا التنويع في الأفكار التي يستطيع الفنان استخراجها من اللون ومن علاقته به، كيف يعتمل في دواخله، ما هو تأثيره في الذاكرة الجمعية عموما أو كيف يراه الناس، وتأثيره بالفنان الذي يصبح اللون من مفردات حياته اليومية، لذا فهو يذهب أبعد من التصور المباشر للفكرة المراد تقديمها.

شباب وأفكار ملونة

جاءت الأعمال متنوعة حسب التقنية والمدرسة التشكيلية التي تنتمي إليها، رغم كون الموضوعة واحدة، وهكذا حضرت المدارس التشكيلية بمعظمها تقريبا في المعرض “الواقعية -الانطباعية -الرمزية وغيرها” الذي اشُتغل عليه ليكون مثيرا للبهجة والأمل، ولهذا رمزيته في كون كل الفنانين هم من الجيل الشاب، الجيل التشكيلي القادم، في المشهد الفني المحلي والعربي والعالمي أيضا، كما العديد من التشكيليين السوريين، طافت شهرتهم أرجاء العالم.

“الزهري والأخضر” هما من مجموعتي اللونية التي غالبا ما استخدمها في أعمالي، لذا لم أذهب إلى فلسفة الموضوع، وتحميله أعباء فلسفية واجتماعية، فتعاملت في لوحاتي مع فكرة “زهر وأخضر” حسب فهمي البصري لهذين اللونين” الكلام للفنانة التشكيلية “جهيدة البيطار” التي وجدت في المعرض فرصة لاكتساب مهارات جديدة من خلال رؤية أفكار الآخرين، عدا عن كونه فسحة مهمة في بداية حياتهم الفنية للتعريف بهم وبوعيهم الفني ومستواهم الإبداعي، ورأت “جهيدة” أيضا أن الجدية هي المطلوبة في التعامل مع هذا الفن والمشتغلين فيه.

الفنان علاء شرابي – من المشاركين بالمعرض- رأى أن فكرة الموضوع فيها جانبا تحريضيا وإبداعيا، فقال:”الموضوع محرض للفكر، فاللونين متكاملين نوعا ما، وعلاقتهما ببعضهما جميلة وذات طابع خاص، كما أن الفكرة نفسها – زهر وأخضر- ممكن أن تكون بداية لمشروع فني وفق هذا الفهم للعلاقة بين الألوان، هي تجربة محرضة وتثير الأسئلة والأفكار بشكل متواصل” ووجد علاء أن الفنانين السوريين ومنذ بداية الحرب مغلق بوجههم باب صالات العرض الفني العربية والعالمية، فهم يعملون ولهم مساحتهم في البلد، لكن التعارف مع الفنانين العرب والعالميين، وتبادل المعارف والثقافات ندر وشح، وبالتالي هناك سوق عمل شبه مغلق، “وزارة الثقافة تفعل جهدها، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى الدعم الذي يقدر على صناعة الفرق بين فنان وآخر” ختم “شرابي”.

أما الفنانة “ريتا حلبي” طالبة فنون جميلة –سنة رابعة تصوير- فقالت: “فكرة المعرض بحد ذاتها مغرية، فهذين اللونين نادرا ما استخدمهما في عملي، لكني أحببت فكرة التحدي هذه ووجدت فيها فرصة لإعادة اكتشاف حساسيات خاصة لألوان كانت خارج دائرة اهتمامي الفني، فالزهري من الألوان المفرحة والأخضر كذلك، لكن الدمج بينهما في فكرة تحتويهما، جاء بمثابة تحفيز إبداعي للحواس كلها” وقالت “ريتا” عن أهمية المعارض لفنانين تشكيلين في بداية رحلتهم التشكيلية الشاقة: “هذه المعارض تهيئ الفنانين الجدد والطلاب المقبلين على الحياة العملية، ليكتسبوا خبرة أكبر وتجربة أوسع، والمهم هو الصدى الذي تلقاه أعمالهم عند الجمهور.

كلمة مسؤولة

د. توفيق الإمام معاون وزير الثقافة يرى أن إقامة هكذا معارض لجيل الشباب، هي رفد للحركة الفنية التشكيلية في سورية، وحدثنا قائلا: “المفرح حقيقة هو مبادرة هؤلاء الشباب الذين ما إن وصلتهم الدعوة حتى لبوها بقلوبهم أيضا، وهذا ليس بالغريب على الشباب السوريين، “تجليات” هي صالة عرض تدعمها وزارة الثقافة وتدعم هذه المعارض والمشاريع، خصوصا تلك التي تحمل روحا شابة، فالشباب هم غدنا الآمن والفرح والمحبة التي ننشد، وكما ترى الصالة عادت إلى ألقها بعد توقف سببته الأحداث الأليمة التي مررنا بها جميعا كسوريين”.

وفي جوابه عن لماذا هذا الاحتكار الفني التشكيلي وغيره من الفنون الذي يجري في العاصمة على حساب باقي المحافظات السورية الأخرى وفنانينها الذين كانوا قد وجهوا أكثر من مرة طلباتهم بالاهتمام بهم وبنتاجهم الفني، قال الإمام: “ليس هناك أي احتكار، هذه المعارض تقام في كافة المحافظات السورية، ويتم الإشراف عليها من قبل الفنانين التشكيلين الموجودين في تلك المحافظات، كما أننا سنشاهد في قادم الأيام مشاركات كبيرة لفنانين تشكيليين من كافة المحافظات، وستسمى كل محافظة بكونها عاصمة لنوع من أنواع الفنون، ثم دعنا لا ننسى أننا في حالة حرب ولهذا طبعا أثره الثقيل على الفن وأهله”.

مرة أخرى لا يمكن إلا الحديث عن الروح العالية التي كانت في أجواء معرض “زهري– أخضر” وهي روح مفرحة وموحية وتعد بالخير كما السنابل.

تمّام علي بركات