رحلة إلى المريخ في “إصدار”.. أكثر من رواية
< حينما كتب د.نبيل قوشجي “رحلة إلى المريخ” لم يخطر بباله أن تصبح رواية في متناول القراء وهو الذي كتبها كرسالة تحمل العديد من الرسائل المهمة لأولاده، إلا أن تشجيع المحيطين له شجعه على نشرها فكانت التجربة الروائية الأولى له كطبيب أسنان وأستاذ جامعي مختص بعلوم أمراض الفم وقد أدخلته إلى عالم الأدب، فكانت باكورة إنتاجه الروائي، أتبعها بروايته الثانية “أنا أعرف من قتلني”.
ولأنها رواية تحمل متعة القراءة والفائدة بيَّن الكاتب أحمد عساف المشرف على نشاط “إصدار” الذي أقيم مؤخراً ضمن فعالية “هنا الآن” الشهرية في مركز ثقافي كفر سوسة أنه كان من الضروري تناول هذه الرواية وتسليط الضوء عليها، منوهاً إلى أن “إصدار” تتضمن عدة أنشطة في مجال الموسيقا والسينما ويتم من خلالها تسليط الضوء على بعض إصدارات الكتّاب السوريين الأحياء في كل الأجناس الأدبية من رواية وقصة وشعر ومسرح من خلال نقّاد اطّلعوا على هذا الإصدار لمناقشته بحضور كاتبه، ولا يستبعد عساف أن تتم استضافة بعض الكتّاب العرب الذين يطبعون كتبهم في سورية.
ورأى د. نبيل قوشجي أنه من الصعب أن يتحول الكاتب إلى متلقٍّ عاديّ أثناء قراءته لما ينجزه، وهو في كل قراءة سيبحث عن العثرات والأخطاء بهدف تقييم ما كتبه، مبيناً أن روايته “رحلة إلى المريخ” من الروايات التي تحتاج لأكثر من قراءة، وقد تميزت بغنى موضوعاتها، وهذا ما يفسر قول البعض أنها أكثر من رواية وكان من الممكن أن تُنشر على أجزاء، موضحاً أنها قد تكون كذلك لأنها بالأساس عبارة عن رسالة أراد أن يتركها لأولاده، وبالتالي كتبها كهاوٍ وكان من الضروري أن يتطرق فيها لموضوعات شتى كالغرور والطموح غير المسيطَر عليه، فشخصية آدم بطل الرواية الطموحة كثيراً أوصلته نجاحاته المستمرة إلى طريق الجنون، منوهاً إلى أنه ككاتب بدأ برواية خيال علمي، والنجاح الذي حققته جعله يتابع الطريق في عالم الكتابة الروائية ليكتب فيما بعد رواية “أنا أعرف من قتلني” البوليسية وليثبت لنفسه وللآخرين أنه يستطيع كتابة أنواع أخرى من الأدب وليس فقط أدب الخيال العلمي، في حين يعكف اليوم على كتابة رواية تتناول تجارة الأعضاء، محاولاً في كل رواياته سبر أغوار النفس البشرية.. من هنا أوضح أن كل ما هو مذكور في الرواية من معلومات تاريخية وأدبية وجغرافية وعلمية هي حقائق موثقة، والرواية من هذا الباب هي جرعة مكثفة من الثقافة العامة، مسبوكة في قالب قصصي، أما الحبكة القصصية فهي مزيج من علم النفس.
رواية إشكالية
وبيَّن د.راتب سكر أن “رحلة إلى المريخ” رواية تنتمي إلى أدب الخيال العلمي لأنها تتناول رحلة سكان الأرض إلى المريخ عبر رحلات متتالية، الأولى تبدأ عام 2020 متحدثة بذلك عن الزمن القادم، ورأى أن هذه الرواية كغيرها من الأعمال الأدبية الأخرى فيها أمور تستحق التحليل والتوصيف والتقويم، وفيها أمور تستدعي النقد ومنها أن الرواية تحاول أن تعالج كل شيء في عمل أدبي واحد، وكان من المفترض –برأيه- أن تكون على أجزاء، موضحاً أن قوشجي استخدم تقنيات حديثة على صعيد الكتابة الروائية واعتمد التكثيف، وهي رواية إشكالية على أكثر من صعيد، حيث توحي البداية أن كوكب الأرض عقيم وأن الحياة عليه مهددة بالفناء، لذلك كان لا بد من إيجاد حل، فكانت الرحلة إلى الفضاء لحلِّ عقم الأرض بعد أن وصلت الأحلام البشرية إلى طريق مسدود، مشيراً إلى أن زمن الرواية تخييلي مستقبليّ، حيث اعتدنا في الروايات معالجتها للماضي والحاضر وابتعادها عن هموم المستقبل، وهذا أمر مختلف في أدب الخيال العلمي الذي يتحدث عن المستقبل، مؤكداً أن هذا النوع من الأدب يحتاج إلى قارئ غير عادي لأن القارئ العادي اعتاد أن يقرأ عما حدث في الماضي وربما في الحاضر، ولهذا تجد الكتب التي تتناول الماضي رواجاً كبيراً، ولاسيما كتب السيرة الذاتية.. ويختم سكر كلامه قائلاً أن قوشجي أثار في روايته مشكلات ذات بعد ثقافي ومعرفي ووجداني.
كاتب محترف
وأوضح د.طالب عمران أن أدب الخيال العلمي ينقسم إلى نوعين: أدب فانتازي وآخر جادّ يتحدث عن هموم الإنسان المستقبلية، وهذا أمر ليس سهلاً ويعتمد على تخييل الأزمنة والأمكنة وعلى بشر عاديين من خلال استقراء الخيال والنفوذ إلى عوالم ليست موجودة وتخييل عوالم مفترضة، منوهاً إلى أن هذا النوع منتشر في أنحاء العالم وهو قليل في الوطن العربي لأننا كعرب نتغنى دائماً بالماضي، في حين أن التفكير بالمستقبل ما زال يخفينا.. من هنا فإن عدد كتّاب أدب الخيال العلمي قليل، وهو سعيد لانضمام د. قوشجي إلى هذا الأدب، مبيناً أن أهم مطب يقع فيه بعض أدباء الخيال العلمي هو الكتابة عن شيء من الصعب أن يتحقق ويناقض العلم، وهذا أمر مرفوض في هذا النوع من الكتابة لأن أدب الخيال العلمي يستند على أرضية علمية.. من هنا يجب على كتّاب هذا الأدب أن يمتلكوا ثقافة علمية صحيحة حتى لا يجنحوا بعيداً في خيالهم، ولأنها هي التي تمنعهم من الوقوع في الأخطاء العلمية، وهذا ما يفسر وجود كتّاب كثيرين يكتبون أدب الخيال العلمي، وهو ليس كذلك وإنما هو نوع من الفانتازيا العلمية الرائج في السوق، مؤكداً أن “رحلة إلى المريخ” رواية تنتمي للاتجاه الجاد في أدب الخيال العلمي، وقد كشفت عن وجود كاتب محترف له أسلوب خاص، فيه الكثير من الشاعرية.
أمينة عباس