ثقافة

أعاجيب سينمائية سوريّة

في سورية فقط، يجرب البعض من المخرجين، الذين تخرجوا من معاهد السينما، في كل من روسيا أو فرنسا أو واحدة من دول أوروبا الشرقية، -منهم من لم يتخرج منها أساسا، بل كان سائحا دراسيا-، ومنهم من درسها عن طريق “الواسطة” حيث تم استبعاد صاحب موهبة لا ريب، هؤلاء يبدؤون حياتهم العملية مع السينما وجمهورها، قبل أن يهرولوا إلى التلفاز “حلمهم المنشود”، والموسم الرمضاني الدسم ونقوده الأكثر بكثير من أي عمل آخر في نفس “الكار”، ولا اعتقد أننا بحاجة لسرد الأمثلة، فهي في كل مكان في عالم الفن لدينا.
الأمر الذي ينسحب بدوره على طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، فهؤلاء ليست دراسة المسرح لديهم إلا عملا شاقا للوصول إلى التلفاز فيما بعد، وأيضا ما من داع للأمثلة فهي أكثر من أن تحصى، لكن هذا حديث آخر.
حقيقة هكذا ينظر بعض هؤلاء المخرجين إلى السينما، باعتبارها طريقا للوصول إلى النجومية التلفزيونية المنشودة، كما لو أنها ميدان تدريب قبل أن يصبحوا من أهل السيناريو “المطاط” الذي كانوا يحاربونه أثناء اشتغالهم في السينما، بل ويصفونه بأبشع الصفات، منهم من تدرب بالجمهور وبأموال الناس وبتاريخ السينما السورية أكثر من ثلاث مرات متتالية، ما إن ينتهي من عمليات مونتاج فيلم حتى يدخل للعمل بالآخر، دون مراعاة أي شرط من شروط الإبداع، الذي يحتاج إلى تأن وعمل دؤوب، بحث وابتكار، فرادة وخيال مفتوح على ما لا نهاية، والغريب غير تكرار الأسماء التي تمرنت في حقل السينما وعلى حساب المؤسسات المختصة بعدة أفلام أو أكثر، هو أن الأفلام التي تنتجها المؤسسة وهم مخرجوها، تبقى في الأدراج ولا يمكن لمن يريد أن يشاهد أي منها، أن يحصل عليها، وقد تبقى حبيسة هذه الأدراج لأكثر من10 سنين كما حدث مع العديد من الأفلام، وكانت المؤسسة قد أطلقت مشروع “المكتبة السينمائية” منذ عدة سنوات، ومنذ مدة قريبة أيضا عادت للحديث بالموضوع نفسه! ثم إن الآلية نفسها التي تتبعها المؤسسة في الإنتاج السينمائي، هي آلية غريبة عجيبة لا مثيل لها، فالمؤسسة لا تمرّ في كل المراحل التي من خلالها يمكنها أن تقرر إن كانت لن تتعامل مع المخرج فلان مرة أخرى، أو أنها ستنتج فيلما آخر ضمن ثلاثية سينمائية ابتكرتها، كما حصل مع أحدهم في “ثلاثيته” السينمائية الغريبة العجيبة والتي يجب أن يدخل بها موسوعة “غينيس” باعتباره الوحيد في التاريخ الذي يخرج ثلاثية سينمائية، لا يكاد يُعرض الفيلم الأول منها، حتى يكون أنهى عمليات التصوير في الفيلم الثاني منها، وفي يوم افتتاح عرض الفيلم الثاني يبشرنا المخرج نفسه، بأن الفيلم الثالث يكاد يجهز بعد الانتهاء من بعض العمليات الفنية والتي تأخذ وقتا أكثر بكثير من تصوير الفيلم، فربما الفيلم يصور في أسبوع، أما عمليات المونتاج وتعديل المزاج اللوني والصوت وغيرها من هذه العمليات فتأخذ وقتا طويلا، ولولا هذا لكنا شاهدنا كل أسبوع فيلم سينمائي مهم جدا فيه ما فيه من شاعرية الصورة على حساب القصة، بحيث أنه يحظى بجائزة سينمائية من دولة لا سينما فيها أساسا!.
تمّام علي بركات