لغة المقهى الثقافي
أكسم طلاع
يمارس الناس النميمة في حياتهم والأعجب أنهم يتحدثون في النهي عنها ويعيشونها، ويحتاجونها لما لها من فضاء المتعة والراحة، كما لها من الطقوس والأدبيات والحركات الخاصة كالهمس والإشارة والثرثرة، فأضحت بعض الأماكن بمثابة نادٍ للنميمة، خاصة المقاهي التي يرتادها المشتغلون في هوامش من الثقافة والفن، حيث يلتقي أولئك على موائد النميمة العامرة “بالمراوح الواسعة” أو “المقلاة الواسعة”– كناية عن ذمتهم، ولما في رأسهم من دروب ملتوية ومتسلقة.
والغريب أن أحاديث النميمة الثقافية تحتمل التأليف والإسهاب في الروي الذي يباعد بين أهلها ولا يجمع ولا يؤلف لكنه يبقى المجلس. وبمناسبة الحديث عن اجتماع أهل الثقافة ونميمتهم فقد عزل أحدهم من وظيفته في مفصل من مفاصل وزارة الثقافة التي كان يدير نشاطا فيها وقد انتهى النشاط بعزل هذا الرجل، وقد دارت أحاديث طويلة وقصيرة وملونة حول هذه الحادثة التي انطوت بعد زمن قصير، لكن فعل الثقافة مستمر ولم يؤثر غياب الرجل على حال الثقافة كونها إنتاج مؤسسات تقوم بالتنظيم والتخطيط ، وما الأفراد إلا أدوات ومفاصل تدير وتربط وتتفاوت في الكفاءة وحسن الأداء من شخص لآخر. لكن البعض يشتغلون بالآخر أكثر من شغلهم الثقافي، فالكاتب له كتابه وللفنان لوحته وللجامعي بحثه ودرسه ولكل من الناس عمله وحياته، وما السلوك إلا طريق ومقدمة إلى نتيجة, والنميمة سلوك أساسه خوف ومبالغة واهمة..؟.
والسؤال.. لما لا تكون روح بعض المجالس الثقافية بمستوى ثقافة هذه الأيام الصريحة والشجاعة، منتصرة وجامعة، مؤلفة وموحدة، تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم، غنية بالمعرفة والتنوير، لا مكان للجهل والزيف فيها، تعزز روح المبادرة وتدفع بها، لا تقوضها وتهدمها، فنحن الآن الواثقون من غدنا والمنتصرون بثباتنا نقول للأعور أعور بعينك ولو كانت حجته – حضن الوطن– الذي يتسع للجميع..لا ياسيدي: هذا الوطن لثقافة الشجعان والمخلصين والواضحين وضوح النهار والانتماء لقيم الوطن.