ثقافة

طريق الحرير

جمان بركات

بحكم العمق الحضاري الذي تمتاز به سورية تواترت عبر الأجيال طقوس اجتماعية مثل عيد الربيع الذي اقترن اسمه بالخصب منذ أن دفعت “عشتار” آلهة الحب بحبيبها وعشيقها “تموز” إلى الحياة الدنيا وصار يمثل روح الإخصاب، وكانت “عشتار” تدعى آنذاك بـ”أم الزلف”، والـ”زلف” كلمة عربية قديمة، وتعني بالسريانية الثوب الموشى والزينة والجمال والصدف والغزال والبراءة، وما تزال أغنية “أم الزلف” مرافقة للاحتفال كل عام بهذه المناسبة التي تقوم على أساس عودة الحياة إلى الطبيعة بعد عقد الاتفاق بين الآلهة جميعاً ليعم الخير وينشر الربيع أزهاره على الربوع، بالإضافة إلى احتفالات عيد رأس السنة السورية في الأول من نيسان.
في الواقع، هي طقوس من العلامات الفارقة في سورية ربما تعتبر نقاط ارتكاز وقرائن إثبات لعمق الحضارة السورية، واليوم نجد أنفسنا بأحد أجمل الطقوس -ربما فرضت نفسها- لنضيفه إلى سلسلة التراث الثقافي المتنوع والمتلون، معرض دمشق الدولي بدورته الحالية الذي كان مترقباً منذ سنوات عديدة من قبل الجميع، سواء كانوا في الخارج أو داخل البلاد، عاد بألقه وأضوائه وأعلامه المرفرفة، الجميع عاد إلى “طريق الحرير” الطريق المعروف بدوره الكبير في تلاقي الثقافات والشعوب وتيسير المبادلات، دمشق.. طريق المطار أضاء شمعة معرضه التاسعة والخمسين ليحط برحال أصدقاء وأحباء وأصحاب.. ها هو يستقبل اليوم كل ما هو جديد ويتصدر مكانه في مدينة المعارض، المدينة التي عاشت خلال فترة الحرب أيام قحف وجفاف وظلام بائس، تستقبل اليوم أحدث التكنولوجيا والعروض والحفلات لتعيد أضواءها الملونة إلى دمشق.
في الأمس، رغم القذائف التي لم تحقق أهدافها في تبعثر السوريين ومنعهم من زيارة المعرض، باءت المحاولات بالفشل حيث لم تخف القذيفة أماً تجر عربة ابنها الصغير والتقاط الصور بالقرب من الشخصيات الكرتونية المنتشرة على مساحة أرض الملعب موثقة لطفلها زيارته الأولى للمعرض عبر الصور، ولم تمنع القذيفة الأطفال من متعة حضور الفعاليات الفنية والترفيهية التي تلبي حاجات ومتطلبات مختلف الأعمار، في الحقيقة لقد حرصت كل الأسر الزائرة على مشاركة أطفالها أجواء الفرح، أما الشباب السوريين الذين وجدوا أنفسهم أمام أبواب عديدة ليعبروا من خلالها عوالم مختلفة من التكنولوجيا والتعليم والأدوات اللازمة لوضع قدمهم في الطريق الصحيح. في الواقع، أبى الصيف هذا العام أن يغادر دون أن يكون له بصمة مميزة بعيدة عن طقوسه الحارّة، فاختتم أيامه على مرحلتين الأولى في إنجازه لمعرض الكتاب السنوي، ومازال اليوم يواصل ألقه ليستقبل أكبر عدد من المحبين للحياة في معرض دمشق الدولي.