“In Time” عندما تكون السينما في مواجهة الرأسمالية
إن العقل الجمعي للجنس البشري ينتقد ذاته كجزء من عملية تطوره، ولعل الفلاسفة والفنانين والأدباء الكبار هم الجانب البناء من العقل الجمعي للجنس البشري، وبما أن السينما أضحت أم الفنون فلا عجب أن نرى أفلاماً تناهض الإمبريالية العالمية مثل (صعود جوبيتر) و(توتل ري كول) و(ألعاب الجوع).. الخ. ولو أنتجنا كعرب سينما مضادة تفضح أيديولوجيات الدول الاستعمارية لما أنجزنا ما يتفوق على هذه الأفلام النبيلة التي حققت رواجاً كبيراً في أصقاع الأرض حيث تمثل نقداً ذاتياً يقوم به العقل الجمعي للأمم التي مارست الاستعمار تجاه ماضيها وسياساتها الاستعمارية.. ولعل تلك الأفلام هي ذروة ظاهرة فنية سينمائية تقوم على تفنيد ما أقرّه العقل الجمعي الغربي سابقاً وتقوم بتوعية الرأي العام الغربي والعالمي ضد تلك الممارسات.. ولما استشعر العقل الجمعي الغربي أن يديه على عنقه وأنه يختنق بالنظام الرأسمالي الذي أفرز ظاهرة تشيؤ الإنسان، قام بإطلاق صرختهُ – وقد تبدى له المستقبل المُفجع – على شكل عشرات الأفلام التي كان لها وقعها عالمياً كفيلم (محامي الشيطان) و(فايت كلوب) على سبيل المثال ولعل فيلم الخيال العلمي الشهير (In Time، إن تايم) بطولة جستن تيمبرلكو أماندا سيفريد، والذي جعل مؤلفه ومخرجهُ أندرو نيكوا من مقولة time is money، الوقت يعني المال. حجر الأساس للبنية الفكرية للفيلم وهي مقولة أنتجتها المجتمعات التي تهيمن عليها الرأسمالية والتي تعتبر المال هو القيمة العُليا. أحياناً نحتاج عالماً مُتخيلاً موازياً يسلخ جوهر المسألة عن زوابع الأيديولوجيا التي تمنعنا من رؤيته فكما يقول بابلو بيكاسو: (الفن ليس الحقيقة، إنه الكذبة التي تجعلنا ندرك الحقيقة) وهذا ما عمد إليه المؤلف أندرو نيكوا حيث خلق عالماً موازياً مُفتَرَضاً، كاشفاً في سياقاتهِ لجوهر ممارسات النظام الرأسمالي العالمي ومن الأفكار التي شكلت المُعادل الموضوعي في الفيلم.. فكرة أن جل الناس لا ينظرون إلى المستقبل البعيد ويريدون الكسب السريع والسهل.
تدور أحداث الفيلم في المستقبل حيث يتيح العلم للإنسان أن يعيش في ذروة شبابه ويبقى في ذلك السن إلى أن يُفلس.. فحين يُفلس يصاب بسكتة قلبية بفعل جهاز مثبت على ساعدهِ، الفيلم يفترض أن الرأسمالية والإمبريالية العالمية قررت التخلي عن الوسيط الذي تنهب به سني عُمر الإنسان، ألا وهو (العُملات) حيث تم إلغاء التعامل بها وأصبح على ساعد كل إنسان سوار فائق التقانة فيه أيام وساعات حياة هذه الإنسان التي أتاح العلم أن يتم التحكم بعددها، لا بل ونقلها من شخص إلى آخر حيث باتت كالعملات تماماً.. فالأمريكي يذهب إلى العمل كي يحظى بساعات تضاف إلى رصيد عمرهِ، وبإمكانه شراء وجبة من الطعام لقاء ساعتين من عمرهِ.. وحين تنتهي الساعات التي يرصدها الجهاز فسوف يموت الإنسان بسكتة قلبية حيث النظام الرأسمالي سخّر إمكانيات العلم لتتيح الشباب الدائم للذين يوظفونه ضمن الماكينة الرأسمالية، وترك الفناء ليبتلع معظم من لا ينتمي إلى طبقة البروليتاريا وتظهر الولايات المتحدة الأمريكية مقسمة على أساس طبقي.. فالرأسماليون وسائر الأثرياء يعيشون في مناطق محظورٌ على الآخرين دخولها.. وفي مشاهد بليغة يظهر نشاطهم الاجتماعي الأبرز وهو المقامرة بأعمار الناس والإنفاق والبذخ على حساب سني كدح العاملين لديهم.
ويتجلى الحل الوحيد أمام بطل الفيلم (ويل سالاس) بالتمرد على القوانين بغية تحطيم تلك المنظومة الظالمة.. فيغدو (ويل) روبن هود عصره، يسرق من الأثرياء الذين يقفلون خزائنهم على حيوات مئات آلاف الناس ويرد إلى الكادحين الفقراء سنوات عمرهم المسلوبة. وقد فشل الفيلم في الربع الأخير منهُ في المحافظة على سويته الفكرية والدرامية فجاءت النهاية مهلهلة ودون المأمول.
وفي الختام لا يسعني سوى طرح هذا السؤال.. أليست صناعة السينما في (هوليوود) هي ذاتها جزء من المنظومة الرأسمالية الأمريكية؟ هل هي تمثل رأسمالية تائبة وشركات تنشد التوعية حقاً؟ أم أن الرأسماليين يتاجرون بأي شيء حتى بالأفكار المناهضة للرأسمالية ذاتها، إيماناً منهم أن لا أمل من العوام؟ وأن المسألة ليست مسألة أزمة معرفية..
سامر منصور