ثقافة

حياة من ورق.. للكبار والصغار

لم يأتِ النجاح الذي حققه عرض “حكاية من ورق” والذي قُدم مؤخراً على مسرح القباني إلا تتويجاً لمشروع ورشة دمى مسرح الطاولة الذي رعته مديرية المسارح والموسيقا وأشرفت عليه السيدة هنادة صباغ التي أكدت أن حبها لهذا الفن والغيرة عليه والرغبة في نشر ثقافة مسرح العرائس، ومواكبة التطور والحداثة التي طرأت على المجتمعات العربية والغربية بأساليب مختلفة وجديدة لفن مسرح العرائس، كانت المحرض الأساسي لمشروع ورشة دمى مسرح الطاولة، خاصة وأن نوع الدمى لم يتم التطرق له في سورية من قبل وهو يتطلب مهارات وقدرة على فصل الحواس لدى الممثل لنقل شعوره من خلال الدمية غير الحية لتصبح بين يديه شخصية ذات مشاعر وأحاسيس.

فريق متجانس

وباعتبار أن العمل المسرحي قائم على العمل الجماعي لا الفردي فإن مسرح العرائس بشكل خاص ومسرح دمى الطاولة يحتاج لأكثر من ممثل لتحريك دمية واحدة، وهنا يكون العبء على الممثل الذي يجب أن يكون حاضراً بمشاعره وأحاسيسه لينقلها للدمية، ولينسجم بنفس الوقت مع فريق العمل لتحريك دمية واحدة.. من هنا كان لا بد من الورشة للتدريب على ذلك، بالإضافة إلي تصنيع الدمى وفهم ميكانيكية حركتها والعمل مع الممثل على التركيز والتنفس وروح التعاون والمشاركة ضمن الفريق الواحد لإيجاد فريق متكامل منسجم، شعاره محبة مسرح العرائس وعشق هذا الفن لأن أي عمل يتم إنجازه من غير رغبة وحب لا يثمر برأي صباغ، لذلك كانت الخطوة الأولى في “حكاية من ورق” اختيار الأشخاص الذين لديهم حب وشغف وإيمان بهذا الفن، مع إشارتها إلى أن معظم المشاركين هم غالبية من الأكاديميين في مجال الفنون والإعلام والسينوغرافيا المسرحية، ومن محركي وفناني مسرح العرائس ومن هواة المسرح وطلاب المرحلة الثانوية، وكان لدى الجميع الرغبة في إنتاج عمل جديد يحمل بصمة خاصة بهذا الفن، فكان العمل على مادة بسيطة من الورق العادي، فمن خلالها تم صنع الدمى التي تم التعامل معها بمشاعر وأحاسيس بعيداً عن المعالم الحقيقية، وقد استطاع المشاركون إعطاء إحساس عالٍ لهذه الدمى الورقية جعل صباغ تتحمس أكثر لتنفيذ مشروع “حياة من ورق” موضحة أن النص كان بسيطاً ومن غير كلام وعبارة عن مشاعر وأحاسيس، للتأكيد على فكرة أن فنان العرائس قادر على نقل الشعور للمتلقي من خلال دمى بسيطة بلا ملامح وعبر أداء ممثل بارع مع موسيقا مرافقة للعرض.

عن مشاعر الإنسان

“حياة من ورق” يتحدث عن مشاعر وأحاسيس الإنسان في كل بقاع الأرض بطريقة روحانية، فنشاهده بحالة حب ورومانسية، ونراه وهو يكوّن عائلة تعيش حالة الطفولة والمراهقة والهجرة عن الوطن والحنين والعودة بعد مرور زمن للجذور، مشيرة صباغ إلى الدور الكبير الذي لعبه الديكور والدمى الورقية، حيث أننا نشاهد أولاً بيئة نظيفة عبارة عن طيور وطبيعة وشجرة وهي رمز الحياة والعطاء بمواد كلها من ورق من غير ألوان، وبالتدريج تتغير ملامح الديكور وتزداد الكتل السكنية وتتقلص الطبيعة، وهذا ما تعاني منه كل المجتمعات من خلال زحف المدينة على الريف والتطور التكنولوجي وتسارع إيقاع الحياة، فكانت دمى مسرح الطاولة تمثل شخصية الإنسان ومراحل حياته، وكانت الدمى الورقية تعبِّر عن طاقة الإنسان وهي عبارة عن أطياف تمر بين المَشاهد وتعبّر عن تسارع الوقت ومرور الزمن وطاقة الإنسان بإيجابيتها وسلبيتها، وتقوم هي نفسها بإحداث التغييرات على الديكور.

وشكرت صباغ  الأستاذ سامر الفقير الذي كان له الدور الكبير والداعم لهذا المشروع فأبدع في الإخراج الموسيقي للعمل، وكذلك الأستاذ بسام حميدي مصمم الإضاءة خاصة وأن العمل احتاج لإضاءة، خاصة ولا تتوفر المواد اللازمة لهكذا نوع من الدمى وهي التجربة الأولى لدمى مسرح الطاولة، لكن ضمن الإمكانيات المتاحة استطاع إضفاء أجواء جميلة.. وشكرت صباغ أيضاً الآنسة هناء أبو أسعد التي رافقت المشروع منذ بدايته والمنسقة على جميع الأصعدة لهذا العمل ولما لها من حب وتفاعل وتفانٍ.. كما توجهت صباغ بالتحية والشكر لأسرة “حياة من ورق” الذين بذلوا قصارى جهدهم بدافع من محبتهم للمسرح بالعموم ولمسرح العرائس بشكل خاص ورغبتهم بتطوير آليات هذا الفن ونشر ثقافة مسرح العرائس، وإثبات أن ممثل مسرح العرائس ليس محركاً فقط بل هو فنان وممثل يستطيع نقل أحاسيسه.

كذلك وجهت صباغ الشكر لمديرية المسارح والموسيقا ممثلة بالأستاذ عماد جلول الذي قدم الدعم الكامل لهذا المشروع سعياً للأفضل في نشر ثقافة مسرح العرائس.

أمينة عباس