ثقافة

عن العين “الطراءة” والفن المحلي!!

“الله محيي الثابت” جملة دارجة، أو ربما”مَثَل شعبي” يقال لمن يثبت على مواقفه أو مبادئه من جهة الجد، ومن جهة المزاح، تقال للذي لا يتغير ولا يتطور ويبقى على حاله مهما تغير الزمان وتغيرت مفرداته، ولكن لماذا هذا المثل الشعبي الآن؟ وهل هو في محط الثناء أو الذم، إنه في الحقيقة عالق بينهما، فحديثنا اليوم موضوعه واحد، لكن نقاشه سيأخذ مسلكان.
في كل عيد أو مناسبة وطنية نمر بها في وطننا الحبيب، تكون الدورة البرامجية لعموم قنواتنا المحلية هي نفسها، أقله بما يتعلق بالأفلام والمسرحيات المتلفزة أو التمثيليات التي تحضر في كل عيد حتى صارت عموم هذه الأعمال وكأنها مختصة بالأعياد فقط!، هذا موسمها، والغريب أنه ومنذ الثمانينيات وحتى الآن، العديد من هذه الأعمال الفنية المختلفة النوع “كاسك يا وطن-غربة-ضيعة تشرين –الحدود-ملح وسكر-حمام الهنا” وغيرها من كلاسيكيات التلفزيون والمسرح والسينما السورية، هي من تتسابق قنواتنا المحلية إلى عرضها، هي لا سواها! ليطرح السؤال التالي نفسه، مبدئيا فيما يخص الأعمال المسرحية المتلفزة: ترى كم عمل مسرحي تم إنتاجه وعرض على خشباتنا منذ ذاك الزمان حتى الآن؟ دعكم من الرقم فهو لا بأس به، لكن السؤال الذي لا بد من الإجابة عليه: هل من المعقول انه لا يوجد عرض واحد من هذه العروض، يمكنه أن ينهض من الركام ليقوم بتحدّيث “المنيو” القديم للوجبات الفنية التي اعتدناها وحفظناها بصما أبا عن جد، من على شاشاتنا رسمية كانت أم خاصة؟ أما من عمل مسرحي منذ أكثر من ربع قرن، استطاع أن ينافس أياً من الأعمال التي تم ذكر بعضها، بحيث أنه يكسر هذه الرتابة أو الروتين شبه المتكرر في كل مناسبة؟ إن تلك الأعمال حتى لو تم عرضها خارج  وقت العيد، فهي ستفوز برهان القلوب وسباق المشاهدات!، فإذا وضعنا الجمهور أمام خيارين راهنين، الأول أن يشاهد مسرحية “كاسك يا وطن” على الشاشة في الساعة السابعة مساء، والخيار الآخر أن يذهب إلى حضور عرض مسرحي لأي من العروض التي جاءت فيما بعد بغض النظر عن التسمية، فماذا سيكون موقفه؟ الجواب معروف.
في السينما أيضا نحن أمام عرض لأربعة أو خمسة أفلام بالكثير، تدور بكراتها ولكن على الشاشة، وهي ذاتها ما يتم عرضها أيضا في فترة الأعياد والمناسبات عموما، ربما يكسر القاعدة فيلم أو فيلمان لا أكثر، أما بقية الأفلام التي تنتج بوفرة، فإنها بعيدة عن متناول الشاشات لأسباب غير معلومة، منها ما قد يكون محقا، خصوصا بما يتعلق بشباك التذاكر، لكننا نعرف أنه ما من فيلم تم إنتاجه منذ مدة  زمنية لا بأس بها، لم يسد مردوده المادي نفقاته على الأقل من جيب الجمهور، لكننا نتحدث هنا عن سنوات طويلة، وليس منذ البارحة أو منذ عام؟.
أما السؤال الذي يطرح نفسه، والذي هو الشق الثاني من الحديث،: من السبب في ذلك؟ وليس ما السبب! فرق كبير بين منطق السؤالين بصيغتيهما، فمن غير المعقول أن يكون الإهمال وعدم الرغبة بالعمل الجاد،هما ما جعل من القائمين على شاشاتنا الوطنية -التي تعنى الآن ببث روح الحياة ومفهوم إعادة لم الشمل ولو بالذكريات المشتركة-، لا يجدون بين تلك الأعمال الفنية باختلاف أنواعها، ما يمكن أن يعرض للناس على التلفزيون في فترة الأعياد، ويكون فعلا ينتمي للناس الذين سيشاهدونه، وفي هذا يكون الحق معهم لا عليهم– أي محطاتنا السورية-! – تخيلوا مثلا أن تعرض قناة من قنواتنا فيلم “صندوق الدنيا” تأليف وإخراج: “أسامة محمد”هذا الفيلم كيف سيستقبله الناس لو تابعوه في مساء أحد الأعياد مثلا، دون أن يفقدوا شيئا من عقلهم، أو يشكوا بكونهم هم من لا يفهم ما يجري في الفيلم، لأنهم ليسوا “مثقفين”، فالمشكلة فيهم لا في الفيلم المذكور، “صندوق الدنيا” الذي حار النقاد – إلا البعض-في تصنيفه ما نوعه، فيلم هذا أم هذيان بصري؟، أم ببساطة محاولة فاشلة أخرى من محاولاتنا الكثيرة الفاشلة؟.
أيضا في المناسبات الوطنية أو الاجتماعية كعيد الجيش أو عيد الأم، الحال نفسها، حيث لم يزل صدى صوت الفنان الراحل صلاح قصاص وهو يردد جملته الشهيرة وكأنه يقف في “الفورسيزن” ومعه “مايك” لا في أستوديو بسيط ارتُجل كيفما كان ليناسب القصة: (ألف حبل مشنقة ولا يقولوا أبو عمر خاين يا خديجة) وها هو صوته يتردد من زمن الأبيض والأسود حتى زمننا الحالي، رغم كل التغييرات المهولة التي طرأت على العالم، والتي من المفروض أنها طرأت علينا أيضا!،  وحبذا لو تلاحظوا “طرأت” فلعل مشكلتنا فيها دون أن نعرف، ربما نكون “انطرءنا عين” مثلا، وهذا ما سبب تخلف الأعمال الفنية الجديدة نسبيا كما سبق وأسلفنا، أو أن ثمة أسباباً أخرى! لم يحك عنها إلا مئات المرات فقط في جرائدنا المحلية، حتى صار الحديث عنها “كليشة” مملة،كما أن أصحاب الشأن المعنيين بالسؤال عن سبب هذا التخلف الفني والثقافي، صاروا يمرون على مقال صحفي يسمي الأمور بمسمياتها، ويفصل المشكلة بل يفصفصها، وربما يضحكون من باب : “تكلموا والتطنيش علينا”.
يبدو أننا بحاجة ماسة للداية “أم محمود” لتطق لنا رصاصة، تفك عنا عين الحسود بل الحساد، وتفل شوكة الحسودين.!

تمّام علي بركات