ثقافة

عصام المأمون.. الازدحام يليق بالمساء

افتتح هذا الأسبوع في صالة لؤي كيالي للفنون الجميلة معرض الفنان عصام المأمون، في ظل حركة نشطة للمعارض التشكيلية تشهدها العاصمة حاليا قبيل الموسم التشكيلي الذي يبدأ مع بداية تشرين الثاني أو مع انطلاقة معرض الخريف السنوي، الذي تقيمه وزارة الثقافة كمهرجان سنوي تقليدي للفنون التشكيلية لم ينقطع عن الحضور خلال سنوات الحرب، كمؤشر عافية على الحراك التشكيلي والثقافي السوري رغم الحرب.

معرض الفنان المأمون قائم على التجريب وعلى المحاولة الجادة لخوض غمار تجربة عرضت ملامحها منذ سنتين في نفس المكان، ولاقت الاستحسان من جمهور متابع لاشتغال الفنان على تقنيات وعناصر جديدة موظفة في اللوحة، بدا على البعض منها حالة الاستعجال والاستسهال، لكنها تحسب في ضفة المغامرة التي لا بد من توفرها في أي منتج تشكيلي، والسؤال: إلى أي حد كان الفنان موفقا في هذا الاتجاه؟ وهل ما قدمه يحمل من الفكرة التي تستحق مثل هكذا مغامرة بإقحام المواد الصلبة ولصقها على اللوحة؟ ربما كان الفنان موفقا في التوظيف لبعض هذه العناصر خاصة حينما يتناول قضية أو حدث اجتماعي في اللوحة يستفز حواس الفنان التي لم تعد يرضيها انفعالات لونية ترسمها الفرشاة من قبل لابد من التوجه نحو مادة أكثر حضورا وفاعلية على السطح، لتجعل منه بيئة ومكان تستوطنه الانفعالات العالية التي تجتاح النفس الإنسانية وطفولتها الطازجة أمام معان معقدة فرضتها الحياة بكل أدوات حصارها الأخلاقية والعقلية.

إن تحرر الفنان من المحفوظات ضرورة محفوفة بالمغامرة قد تصل به إلى  مساحات غير متوقعة أو محسوبة, لكن عصام المأمون يدرك قيمة الاختلاف الذي يقدمه عن سواه من الفنانين، ويمتلك من الشجاعة بأن يجعل من المزدحم والفوضوي ناتجاً لموسيقى النهار واليوميات المطلة على الأزمات التي تضطرم في روح المدنية الباحثة عن خصوصية مختلفة وسط ازدحام في الفكرة والرأي، حتى في ازدحام التوقعات رغم جهلنا بما هو آت، يبقى العمل الفني متنفسا ومؤشرا على موعد مختلف مع صباح جديد بعيدا عن نشرات الأخبار وعن سطوة الفضائيات وتغول القوى الكبرى المتحكمة بهذا الكوكب.

يدهشنا كم الإنتاج الذي يقدمه الفنان في المعرض، مما يضيف لاكتظاظ الفكرة ثقل في الحضور وصوت أعلى من الصياح مدفوعا بحماسة، لكن هل كل ما يثير الانتباه محسوبا على القيمة والبقاء، وله من الأثر الذي يضيف ولا ينسى، ربما سيتمكن هذا الفنان من تحقيق الأثر الذي يصبو إليه وبصوت أخفض وأكثر لياقة بكرامة الإنسان الذي يشغله حد الألم.

يستحق هذا المعرض فضاء أوسع من صالة لؤي كيالي العامرة بضيوفها ومحبي عصام المأمون، فكان العرض مخرجا بطريقة خففت من الازدحام الذي يحسب للفنان نشاطه في الدعوة ومتابعة التحضيرات لضمان نجاح المعرض، وبالطبع لو لم تكن الأعمال ذات قيمة فنية لما كان هذا النجاح الذي استحقه الفنان الدؤوب والمثابر، مما جعل من المساء جميلا رغم الازدحام.

أكسم طلاع