د. السيد يدعو إلى تفعيل”الجنوسة” في كتابه “في رحاب لغتنا العربية”
يفاجئنا د. محمود السيد في كل كتاب يصدره بمصطلحات جديدة وبدخول عوالم تشدّ القارئ لاسيما المتخصص بعلوم اللغة العربية، لنتوقف عند محاور تطرق إليها بأسلوب توثيقي وبتدوين تاريخي، وأخرى بأسلوب تحليلي مع الاستئناس بآراء الباحثين وبالتجارب التي تمّت على أرض الواقع لإنجازات مجمع اللغة العربية ولجنة تمكين اللغة العربية برئاسته، وفي كتابه الجديد”في رحاب لغتنا العربية واقعاً وتجديداً ونموذجاً للارتقاء” الصادر عن وزارة الثقافة –الهيئة العامة السورية للكتاب”، نجد أنه بعد أن واجه كل ما يمّت بصلة إلى مصطلح العربيزي سابقاً، يدعو في هذا الكتاب إلى تفعيل مصطلح “الجنوسة” الذي ما زال موضع جدل بين الباحثين، فهل تطبق على أرض الواقع؟.
الاشتقاق والنحت
حفلت صفحات الكتاب بعوالم التجديد اللغوي ووضع المصطلحات، فأشار إلى صعوبة التجديد اللغوي في ميدان التعريب كما قال الشدياق: “أرى ألف معنى ماله من مجانس لدينا، وألفاً ماله ما يناسب”، ليتوقف عند مزية الاشتقاق والنحت اللتين تطرق إليهما الشدياق، وإلى فضل الفعل الرباعي في صوغ الألفاظ الجديدة والدلالات مثل بسمل وحوقل لتوسيع اللغة العربية وإغنائها، كما أسهم رجالات التعريب الأوائل في وضع المعاجم المتخصصة، ويرى د. السيد أن اللغة مادامت في تغير مستمر فمن البديهي أن تواكبها في ذلك علوم اللغة المنوط بها رصد الظاهرة اللغوية، وضبط حركتها، فثمة توتر بين اللغة المعيارية التي تحافظ عليها من التحلل والانهيار والوصفية التي تفتح أمامها آفاقاً للتطور والارتقاء.
واتجهت آفاق التجديد في مجال النحو إلى النأي عن التطويل إلى الاختصار إذ كثُرت التأويلات والتقديرات والمماحكات وتباينت الاختلافات بين المدارس النحوية (الكوفة والبصرة وبغداد والأندلس)، مما أدى إلى صعوبة المادة النحوية فاستشهد د. السيد بالجاحظ الذي أطلق عليه جبار النثر العربي الذي دعا إلى الاقتصار في تعليم النحو للمتعلمين على المباحث النحوية الضرورية التي يحتاجون إليها في تفاعلهم مع بني مجتمعهم، ليذكر الكتب المختصرة مثل كتاب”التفاحة في النحو” لأبي جعفر النحاس النحوي، وغيرها. وتابع المؤلف ليصل إلى بعض الكتب التي ظهرت في العصر الحديث، منها جامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني.
الإلغاء والدمج
والدعوة الثانية تمثلت بالإلغاء والدمج أي إلغاء بعض المباحث النحوية مثل ابن مضاء القرطبي قي كتابه”الرد على النحاة” إذ دعا إلى إلغاء العوامل والعامل عند النحاة هو ما أثر في غيره من حركة أو سكون أو حذف، ودعا أيضاً إلى إلغاء الحذف والتقدير وإسقاط العلل الثواني والثوابت وإلغاء التمارين. ليقابله المؤلف بالعصر الحديث مثل كتاب إبراهيم مصطفى في كتابه”إحياء النحو”، ويأتي المحور الثالث بالتجديد إلى التيسير بالتركيز على النحو الوظيفي الأكثر استخداماً، الذي يساعد المتعلم على سدّ حاجاته وتلبية متطلباته في التعبير عنها شفاهياً وكتابياً في تفاعله مع الآخرين في مجتمعه، وفي منأى عن الأخطاء، فوضع عبد العليم إبراهيم كتابه النحو الوظيفي.
تيسير القواعد الإملائية
وفي التوجه نحو تيسير القواعد الإملائية ذكر فيه المؤلف محاولات تيسير الإملاء التي دعا إليها الباحثون وأوضح بأن الخلافات ماتزال قائمة بين مجمعي اللغة العربية في دمشق والقاهرة في كتابة بعض الكلمات، على سبيل المثال في الكتابة المصرية لاتوضع النقطتان تحت الياء في الكتب المطبوعة فلا يميز القارئ المبتدئ بين الألف المقصورة والياء، وكذلك كلمة شؤون تكتب في بلاد الشام على الواو في حين تكتب في مصر على نبرة، وكلمة يقرؤون تكتب في بلاد الشام هكذا بتطبيق قاعدة الهمزة المتوسطة بينما تكتب في مصر (يقرأون).
وفي فقرة التجديد في البلاغة أورد المؤلف الكتب المشهورة في البلاغة مثل البديع لابن المعتز ودلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني، وفي العصر الحديث ظهرت دعوة إلى التجديد بإلغاء التقسيم الثلاثي وجعل البلاغة فناً واحداً وبحث موضوعاتها في ضوء الترابط بين واحد وآخر، وما أشار إليه البلاغيون الجدد من مستويات: المستوى الصوتي والمستوى التركيبي والمستوى الدلالي، والاهتمام بالمستوى الصوتي والألفاظ ودلالاتها وما فيها من جرس موسيقي، والبحث في الجملة والفقرة والقطعة الأدبية وصور التعبير كالتشبيه والاستعارة والكناية، واختيار النصوص الرفيعة، وزادت جمالية التجديد بإضافات جديدة مثل جواز استعمال (ارتكن إلى الشيء وعليه)، وجواز استعمال برّر بمعنى سوغ وعلل، وجواز استعمال الحيدة بمعنى الحياد، ودردشة بمعنى الكلام.
الدعوة إلى الجنوسة
وأورد د. السيد فكرة التجديد في مجال الجنوسة الذي جاء من شكوى تحيّز اللغة العربية للمجتمع الذكوري وإسباغ السمات الإيجابية للرجل والسلبية للمرأة، مثل مصيب للذكر ومصيبة للأنثى، وقاض للذكر وقاضية للأنثى، وهاو للذكر وهاوية للأنثى، وتطرق المؤلف إلى دعوة المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إلى تنقية المناهج التربوية في الدول الأعضاء من الجنسوية أو الجنوسة حيث تصوّر المرأة في بعض المناهج على أنها ضعيفة وغبية في حين يصوّر الرجل على أنه قوي وذكي، والجديد إجازة تأنيث أسماء المناصب مثل عميد وعميدة ورئيس ورئيسة، ورأى المؤلف في هذا التوجه حق في عصر انتفت فيه الفروق بين البنين والبنات من حيث القدرات العقلية والذكاء والإبداع.
النحت في المصطلحات العلمية
ومن الفصول المميزة بالكتاب ما أورده د. السيد عن القرارات اللغوية التي أصدرها مجمع اللغة العربية في دمشق مثل النحت التي هي ظاهرة لغوية احتاجت إليها اللغة قديماً وحديثاً، والتي كانت موضع جدل، فاستشهد بما مارسه د.صلاح الدين الكواكبي من النحت في الاشتقاق في الكيمياء “الأوزان العربية في المصطلحات العلمية”، في حين عارض المجمعي د. وجيه السمان موضوع النحت لما في الكلمات المنحوتة من مجافاة للدقة والوضوح، وهما من أهم خصائص اللغة العلمية، كذلك تطرق د. السيد إلى أسلوب المجاز في توليد المصطلحات كما رأى الشهابي، وإلى التعريب الجزئي لبعض الكلمات مثل استخدام كلمة ربعيل مقابل كلمة (كوارتر)، إلا أن الأمير الشهابي لم يوافق على هذا المنحى من التعريب مما أتاح فرصة للقارئ لمعرفة أبعاد هذه المسائل اللغوية لإنجازات المجمع في وضع المصطلحات.
ولم يتناول المؤلف امتداد اللغة العربية فقط إذ قابل ذلك بعوامل انحسارها، إلا أن الأمر الهام الذي تطرق إليه هو محاولات العدو الصهيوني التي تعود إلى عهد الانتداب البريطاني، حينما احتج أليعازر بن يهودا على المندوب البريطاني على فلسطين لأنه صك نقوداً باللغتين الإنكليزية والعربية وعدم صك النقود باللغة العبرية فأعاد صكها باللغات الثلاث. ويبقى رأي د. السيد بأن لا نفقد الأمل في تنفيذ التوصيات الرامية إلى الارتقاء بالواقع اللغوي.
ملده شويكانييفاجئنا د. محمود السيد في كل كتاب يصدره بمصطلحات جديدة وبدخول عوالم تشدّ القارئ لاسيما المتخصص بعلوم اللغة العربية، لنتوقف عند محاور تطرق إليها بأسلوب توثيقي وبتدوين تاريخي، وأخرى بأسلوب تحليلي مع الاستئناس بآراء الباحثين وبالتجارب التي تمّت على أرض الواقع لإنجازات مجمع اللغة العربية ولجنة تمكين اللغة العربية برئاسته، وفي كتابه الجديد”في رحاب لغتنا العربية واقعاً وتجديداً ونموذجاً للارتقاء” الصادر عن وزارة الثقافة –الهيئة العامة السورية للكتاب”، نجد أنه بعد أن واجه كل ما يمّت بصلة إلى مصطلح العربيزي سابقاً، يدعو في هذا الكتاب إلى تفعيل مصطلح “الجنوسة” الذي ما زال موضع جدل بين الباحثين، فهل تطبق على أرض الواقع؟.
الاشتقاق والنحت
حفلت صفحات الكتاب بعوالم التجديد اللغوي ووضع المصطلحات، فأشار إلى صعوبة التجديد اللغوي في ميدان التعريب كما قال الشدياق: “أرى ألف معنى ماله من مجانس لدينا، وألفاً ماله ما يناسب”، ليتوقف عند مزية الاشتقاق والنحت اللتين تطرق إليهما الشدياق، وإلى فضل الفعل الرباعي في صوغ الألفاظ الجديدة والدلالات مثل بسمل وحوقل لتوسيع اللغة العربية وإغنائها، كما أسهم رجالات التعريب الأوائل في وضع المعاجم المتخصصة، ويرى د. السيد أن اللغة مادامت في تغير مستمر فمن البديهي أن تواكبها في ذلك علوم اللغة المنوط بها رصد الظاهرة اللغوية، وضبط حركتها، فثمة توتر بين اللغة المعيارية التي تحافظ عليها من التحلل والانهيار والوصفية التي تفتح أمامها آفاقاً للتطور والارتقاء.
واتجهت آفاق التجديد في مجال النحو إلى النأي عن التطويل إلى الاختصار إذ كثُرت التأويلات والتقديرات والمماحكات وتباينت الاختلافات بين المدارس النحوية (الكوفة والبصرة وبغداد والأندلس)، مما أدى إلى صعوبة المادة النحوية فاستشهد د. السيد بالجاحظ الذي أطلق عليه جبار النثر العربي الذي دعا إلى الاقتصار في تعليم النحو للمتعلمين على المباحث النحوية الضرورية التي يحتاجون إليها في تفاعلهم مع بني مجتمعهم، ليذكر الكتب المختصرة مثل كتاب”التفاحة في النحو” لأبي جعفر النحاس النحوي، وغيرها. وتابع المؤلف ليصل إلى بعض الكتب التي ظهرت في العصر الحديث، منها جامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني.
الإلغاء والدمج
والدعوة الثانية تمثلت بالإلغاء والدمج أي إلغاء بعض المباحث النحوية مثل ابن مضاء القرطبي قي كتابه”الرد على النحاة” إذ دعا إلى إلغاء العوامل والعامل عند النحاة هو ما أثر في غيره من حركة أو سكون أو حذف، ودعا أيضاً إلى إلغاء الحذف والتقدير وإسقاط العلل الثواني والثوابت وإلغاء التمارين. ليقابله المؤلف بالعصر الحديث مثل كتاب إبراهيم مصطفى في كتابه”إحياء النحو”، ويأتي المحور الثالث بالتجديد إلى التيسير بالتركيز على النحو الوظيفي الأكثر استخداماً، الذي يساعد المتعلم على سدّ حاجاته وتلبية متطلباته في التعبير عنها شفاهياً وكتابياً في تفاعله مع الآخرين في مجتمعه، وفي منأى عن الأخطاء، فوضع عبد العليم إبراهيم كتابه النحو الوظيفي.
تيسير القواعد الإملائية
وفي التوجه نحو تيسير القواعد الإملائية ذكر فيه المؤلف محاولات تيسير الإملاء التي دعا إليها الباحثون وأوضح بأن الخلافات ماتزال قائمة بين مجمعي اللغة العربية في دمشق والقاهرة في كتابة بعض الكلمات، على سبيل المثال في الكتابة المصرية لاتوضع النقطتان تحت الياء في الكتب المطبوعة فلا يميز القارئ المبتدئ بين الألف المقصورة والياء، وكذلك كلمة شؤون تكتب في بلاد الشام على الواو في حين تكتب في مصر على نبرة، وكلمة يقرؤون تكتب في بلاد الشام هكذا بتطبيق قاعدة الهمزة المتوسطة بينما تكتب في مصر (يقرأون).
وفي فقرة التجديد في البلاغة أورد المؤلف الكتب المشهورة في البلاغة مثل البديع لابن المعتز ودلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني، وفي العصر الحديث ظهرت دعوة إلى التجديد بإلغاء التقسيم الثلاثي وجعل البلاغة فناً واحداً وبحث موضوعاتها في ضوء الترابط بين واحد وآخر، وما أشار إليه البلاغيون الجدد من مستويات: المستوى الصوتي والمستوى التركيبي والمستوى الدلالي، والاهتمام بالمستوى الصوتي والألفاظ ودلالاتها وما فيها من جرس موسيقي، والبحث في الجملة والفقرة والقطعة الأدبية وصور التعبير كالتشبيه والاستعارة والكناية، واختيار النصوص الرفيعة، وزادت جمالية التجديد بإضافات جديدة مثل جواز استعمال (ارتكن إلى الشيء وعليه)، وجواز استعمال برّر بمعنى سوغ وعلل، وجواز استعمال الحيدة بمعنى الحياد، ودردشة بمعنى الكلام.
الدعوة إلى الجنوسة
وأورد د. السيد فكرة التجديد في مجال الجنوسة الذي جاء من شكوى تحيّز اللغة العربية للمجتمع الذكوري وإسباغ السمات الإيجابية للرجل والسلبية للمرأة، مثل مصيب للذكر ومصيبة للأنثى، وقاض للذكر وقاضية للأنثى، وهاو للذكر وهاوية للأنثى، وتطرق المؤلف إلى دعوة المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إلى تنقية المناهج التربوية في الدول الأعضاء من الجنسوية أو الجنوسة حيث تصوّر المرأة في بعض المناهج على أنها ضعيفة وغبية في حين يصوّر الرجل على أنه قوي وذكي، والجديد إجازة تأنيث أسماء المناصب مثل عميد وعميدة ورئيس ورئيسة، ورأى المؤلف في هذا التوجه حق في عصر انتفت فيه الفروق بين البنين والبنات من حيث القدرات العقلية والذكاء والإبداع.
النحت في المصطلحات العلمية
ومن الفصول المميزة بالكتاب ما أورده د. السيد عن القرارات اللغوية التي أصدرها مجمع اللغة العربية في دمشق مثل النحت التي هي ظاهرة لغوية احتاجت إليها اللغة قديماً وحديثاً، والتي كانت موضع جدل، فاستشهد بما مارسه د.صلاح الدين الكواكبي من النحت في الاشتقاق في الكيمياء “الأوزان العربية في المصطلحات العلمية”، في حين عارض المجمعي د. وجيه السمان موضوع النحت لما في الكلمات المنحوتة من مجافاة للدقة والوضوح، وهما من أهم خصائص اللغة العلمية، كذلك تطرق د. السيد إلى أسلوب المجاز في توليد المصطلحات كما رأى الشهابي، وإلى التعريب الجزئي لبعض الكلمات مثل استخدام كلمة ربعيل مقابل كلمة (كوارتر)، إلا أن الأمير الشهابي لم يوافق على هذا المنحى من التعريب مما أتاح فرصة للقارئ لمعرفة أبعاد هذه المسائل اللغوية لإنجازات المجمع في وضع المصطلحات.
ولم يتناول المؤلف امتداد اللغة العربية فقط إذ قابل ذلك بعوامل انحسارها، إلا أن الأمر الهام الذي تطرق إليه هو محاولات العدو الصهيوني التي تعود إلى عهد الانتداب البريطاني، حينما احتج أليعازر بن يهودا على المندوب البريطاني على فلسطين لأنه صك نقوداً باللغتين الإنكليزية والعربية وعدم صك النقود باللغة العبرية فأعاد صكها باللغات الثلاث. ويبقى رأي د. السيد بأن لا نفقد الأمل في تنفيذ التوصيات الرامية إلى الارتقاء بالواقع اللغوي.
ملده شويكاني