ثقافة

Fight Club.. متلازمة الأنظمة الرأسمالية والعنف

كثيرة هي الأفلام التي تتناول حالة فصام الشخصية، لكن أكثرها غرابة هو الفيلم الشهير (فايت كلوب/نادي القتال) من إخراج ديفيد فينشر بطولة براد بيت وإدوارد نورتون.. وقد تعرض الفيلم لانتقادات عديدة لأنه يبرر العنف والسادية وفق تعبير بعض النقاد.. تكمن خصوصية الفصام الذي يتناوله هذا الفيلم في كونه لا يُعبرُ عن فصام على صعيد شخصية أو نمط من الشخصيات، بل عن ظاهرة تتهدد الذكور في المجتمع بأسره وفق الرؤية التي طرحها كاتب السيناريو تشاك بولانيك.. حيث يذهب الفيلم بنا إلى ماهية الرجل وتكوينه الطبيعي والنفسي، حيث كما هو معروف هرمونات الذكورة مرتبطة بالنزعة إلى التعبير عبر القوة الجسدية، ويتناول الفيلم العنف على اعتباره نتيجة طبيعية لمحاولات التدجين في أنماط الحياة الاستهلاكية ونظام المكننة وتشييء الإنسان، منذ تمكن الإمبريالية العالمية من الوصول إلى مفاصل القرار فيما يسمى دول العالم المتقدمة، ويتحدث الفيلم عن موظف يصاب بالأرق والإجهاد النفسي جراء الحياة النمطية فتكون ردة فعله بأن يخلق شخصية (تايلر) منفصماً على نفسه، ولعل هذه الشخصية هي رمز لحالة ثورية وللتمرد، وسرعان ما يشكّل هذا الموظف الذي لم يُذكر اسمه طوال الفيلم مع تايلر نادٍ للقتال، ويتسع هذا النادي ليصبح ظاهرة اجتماعية ينجذب إليها الذكور. وقد لاحظنا خلال مشاهد معبرة أن أعضاء النادي يستطيعون أن يكونوا في كل مكان ولا يمكن إيقافهم، لأنهم ببساطة جزء من الطبيعة البشرية وظهروا كمخربين، لكن بطريقة ليست عبثية ومدمرة، بل تخريبهم ينصب باتجاه المدينة المخنثة كرد فعل طبيعي وليس كثورة جامحة مجنونة.

نلاحظ أن شخصيتي البطل المصاب بالفصام ليستا متناقضتين أو إحداهما تقدم تعويضاً عن عقدة نقص لدى الأخرى، بل هما أقرب إلى حالة تكاملية تعبر عن جوهر الرجولة الذي لا يمكن أن يستكين لأنماط الحياة الاستهلاكية المُهينة والمذلة، ولتسلط أصحاب رؤوس الأموال، وقد وردت في الفيلم عبارات كثيرة ضمن حوار بين شخصيتي البطل المصاب بالفصام لامجال لذكرها، تعبر عن كون نادي القتال صرخة في وجه الاستعباد والتدجين، ولعل مشهد اقتحام منشأة وسرقة الدهون منها برمزية الدهون وهي الفائض الذي يفسد أجساد الرأسماليين الجشعين، كما يفسد الفائض المالي في معظم الأحيان نفوسهم.. ومشاهد أخرى أيضاً هي بمنزلة تعبير مباشر عن الصراع الطبقي والذي تحول إلى صراع بين ما هو طبيعي وما هو شاذ في سيكولوجيا المجتمع ككل، ويبقى السؤال الأكبر حول نظرة القائمين على الفيلم إلى الأنثى.. ألا يعولون على الأنثى في التمرد على أنماط الحياة الاستهلاكية؟! هل الأنثى كائن قابل للتدجين ويستكين لعالم فيه الشيء أعلى قيمة من الإنسان؟!

لم يكن للأنثى في الفيلم دور سوى انجذابها الذي ظهر كمعيار للرجولة الحقيقية فهي تستمد حيوية الحياة من الرجل الذي يدافع عن رجولته ويتصدى للتنميط والتدجين والمكننة.

سامر منصور