إضاءات نقدية على تجربة الشاعر بديع صقور
كم جميل أن يحمل الإنسان زهرة وحبة قمح بدلاً من أن يحمل سيفاً وبندقية” بهذه الكلمات المؤثرة رحبّ الشاعر بديع صقور بمحبيه في الندوة التي أُقيمت في المركز الثقافي العربي في –أبو رمانة- فأصغينا بشغف إلى قراءاته، وإلى إضاءات نقدية على قصائده التي ارتبطت بالأرض والإنسان، وواجهت الإرهاب بإيقاعاتها وصورها ومعانيها غير المباشرة، لنقف إزاء تقاطعات بين الآراء النقدية لصقور الذي جعل من الفقراء محوراً في قصائده، ودعا إلى المحبة والسلام، وامتلك خاصية التناص والانزياح وتقارب مع شعراء أمريكا اللاتينية بشكل خاص.
وقد هيمنت الرومانسية الشعرية على الأمسية بحضور الشاعر خالد أبو خالد وعدد من أعضاء اتحاد كتّاب العرب وأعضاء مجلس الشعب ومحبي الشعر، فأصغى الجميع إلى تحليلات نقدية دقيقة تثري الروح الشعرية.
استهلت الندوة السيدة رباب أحمد مديرة المركز بوصفها الشاعر بديع صقور بأنه صاحب الفلسفة العميقة، والوجدانيات الإنسانية التي تمسّ الواقع بكل ما يحمل من شجن وأمل، لاسيما بأنه المسؤول عن ملف حقوق الإنسان في مجلس الشعب، وأضافت بأن الإضاءات النقدية من قبل قامتين كبيرتين تضيف قيمة فنية إلى تجربة الشاعر صقور. وتحدث الشاعر بديع صقور عن مجموعاته الأخيرة “خواتم في أصابع الصدىِ، دعوا الحمام ينام، أيها العابر أيها الغريب” التي تحكي عن الحرب والدمار الذي شهدته سورية إزاء الحرب الإرهابية بلغة إنسانية شفافة تبحث عن العلاقات الإنسانية التي تغلفها المودة، فنحن جميعاً نعيش في وطن واحد فلماذا الاقتتال في الوقت الذي يجب أن يقف الإنسان مع وطنه، لينهي بالمقولة التي يرددها “سورية صديقة للشمس”.
عالم التناص والانزياح
ورأت الأديبة هيلانة عطا الله أن قصيدته كانت طقساً من الدهشة الرزينة النبيلة تحقق فيها التزاوج ما بين الحالة الشعورية الجوانية وبين التجربة الحياتية بروح تنزع على الحب والخير والجمال كما قال:
جسد البحيرة يتمايل بين ذراعي المساء/تمسكنّا معاً بأصابع النهر
لتربط عطا الله بين ما يحدث على أرض سورية وبين قصائد صقور التي تنضوي على ما تفعله السياسات الخاطئة:
رهاناتك خاسرة دائما/راهنت على السيف/راهنت على شمس الفتوحات/راهنت على الحلفاء والسلاطين/ليصل الشاعر إلى/إن من يراهن على أمريكا/كمن يراهن على الريح.
ثم توقفت عطا الله عند موضوعة الشهيد التي شكّلت محوراً في شعره
على أم الشهيد مررت صباحا/وأحزنني اللقاء/على صفحات الصخور
أسقط الشاعر الحالة الإنسانية على كائنين من أجمل كائنات الطبيعة الزهرة والسنونو للتأثير على المتلقي، ففسرت عطا الله مفردة البيت لما تحمله من دلالة السكينة والأمان، وحال السنونو الذي يمارس طقس الهجرة، واقتربت من سمات صقور الشعرية بإيجاد تقارب ما بينه وبين الشاعر التشيلي نيكانوربارا الذي ناهض الشعر المنمق واللغة الشعرية الخالصة وآثر اللغة السهلة التي يشفّ الرمز فيها عن غلالة الغموض ليلامس الناس، فيغدو الشاعر درامياً ومسرحياً لاواعظاً متحذلقا، وعند مقاربته مع شعراء أمريكا اللاتينية. وتضيف بأن صقور بنى قصيدته على الأصوات والإيقاع السردي والصور المتحركة والانزياحات، فأوردت مثالاً من أحد نصوصه ” النفس أمارة بالشوق” كانزياح عن أمّارة بالسوء، إضافة إلى التناص مع الموروث الأدبي العربي والشرقي والغربي والأمريكي اللاتيني، لتخلص إلى خاصية الانعتاق من قيود الزمن، وإلى تصميمه على أغنية شعرية مركبة دون التوغل بالغموض السريالي لينشئ عالماً مسكوناً بالسلام.
المثاقفة شعراً
وبيّن د. نزار بني مرجة أن شاعر قصيدة النثر بديع صقور برع بنهج خاص للقصيدة من حيث الإيقاع والصور والتضمينات والتراكيب، فيتبدى للقارئ بأنه أمام نصّ حمل نكهة النصّ المترجم لعدم انغلاق القصيدة على فضاءات محدودة لجهة الزمان والمكان والبيئة المجتمعية، إذ تميز نصّ صقور بأنه عابر للمناخات الشعرية المألوفة لما يحفل به من غنى ثقافي ومعرفي ويظهر ذلك بالتضمينات والرموز والإشارات المستمدة من إرث حضاري ونضالي لأمته وللعديد من شعوب العالم، وتوقف بني مرجة عند خاصية توظيف تضمينات قصيرة مختارة لتكون بمثابة عناوين للكثير من نصوصه الشعرية، ليصل د. بني مرجة إلى أهمية الشعر في عملية المثاقفة بين الشعوب، ولينتقل إلى مقولة العالمية تبدأ من المحلية فبديع صقور جسد في الكثير من نصوصه الهمّ الذاتي والهمّ الجمعي في آن واحد معبراً عن مكابدات الإنسان المقهور والحالم والمتمسك بإرادته غير المحدودة، والواثق بإعادة صياغة العلاقات بين البشر بعيداً عن القهر والاستلاب، لينتقل بني مرجة إلى نصوص صقور التي حفلت بيوميات وتفاصيل الجراح التي خلفتها الحرب بلغة إنسانية مفهومة وواضحة كما قال:
دعوا هذا الموت يعتلي ظهرالخراب وحيداً/دعوا الصبايا يقطفن أزهار الحبّ بأمان
دعوا التلاميذ يلهون في باحات المدارس
ويخلص بني مرجة إلى أن تجربة بديع صقور تنم عن منظومة قيم ومشاعر إنسانية شاملة عند شعوب العالم لاتعرف الحدود.
انتفاء الأنا
وأشار الناقد العراقي د. بشير حاجم إلى خروج نجربة صقور من المحلية إلى الكونية وانتفاء الأنا في القصيدة ليخاطب الآخر “باسمنا يصنعون الثورات/باسمنا يشيدون الفضائيات” مركزاً على ثنائية الأنا والآخر”اعرني قليلاً من دفء روحك” والخطاب الجمعي” دعوا الندى للصباح” وودع بديع صقور محبيه بقراءات شعرية ليختم الأمسية بسؤال أمه وإجابته الصعبة المرتبطة بالإنسان “ما الهين يابني وما الصعب؟ ليجيب: الهين قطف غيمة والصعب قطف رغيف”. وعلى هامش الأمسية كرمت جمعية إحياء وتوثيق التراث الشعبي الشاعر د. بني مرجة والأديبة هيلانة عطا الله بشهادات تقدير لإسهاماتهم الفعّالة بالمشهد الثقافي.
ملده شويكاني