ثقافة

مؤسسة الإنتاج التلفزيوني تطلق “ترجمان الأشواق” انعطافــــة في تاريـــــخ الدرامـــــا السوريـــــة

يؤكد د.ماهر الخولي مدير مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في المؤتمر الصحفي الذي دعت إليه مؤخراً المؤسسة في قاعة الدراما بدار الأسد للثقافة والفنون لإطلاق مسلسل “ترجمان الأشواق” تأليف بشار عباس وإخراج محمد عبد العزيز أن المؤتمر هدفه إطلاق المسلسل تسويقياً وللإعلام وللقنوات الفضائية وذلك بعد أن انتهى مخرجه من العمليات الفنية الأخيرة، موضحاً أن هناك أسباباً موضوعية ساهمت في عدم تسويق درامانا نتيجة حالة الحرب التي تُشن على سورية، وحالة الحصار التي تعرضت لها الدراما بسبب ذلك، إلى جانب أسباب أخرى لها علاقة بتركيبة العاملين في الدراما، مؤكداً أنه وعلى الرغم من كل التعقيدات الموجودة على صعيد التسويق فستجبر الدراما الجيدة الأسواق على استقبال الدراما السورية من خلال “ترجمان الأشواق” منوهاً إلى أن حملة تسويق بدأت بها المؤسسة للمسلسل، والنتائج الأولى مبشرة، حيث أن مجموعة من المؤسسات والقنوات الفضائية بدأت تناقش مع المؤسسة موضوع شرائه، معلناً أن المؤسسة بصدد زيادة عدد الأعمال المنتَجة من قبلها وفق الميزانية الجديدة المرصودة لها، موجهاً الشكر للسيدة ديانا جبور المديرة السابقة للمؤسسة على الجهود الكبيرة التي بذلتها لإنتاج “ترجمان الأشواق” منذ ولادة فكرته إلى أن وصل للمراحل النهائية.

حكاية شعبية

ويبيّن المخرج محمد عبد العزيز أن ما كان يعنيه في تجربته الإخراجية الأولى في مجال الدراما التلفزيونية أن ينجز مشروعه ضمن المشهد الثقافي السوري مع مؤسسة الدولة وبمال سوري صرف، وهو مشروع جدي ومعرفي يتواءم مع اللحظة الراهنة ولا يقفز فوقها ولا يزيف الأشياء لينقلها بعدالة شديدة، من هنا كان سعيداً بهذا التعاون مع مؤسسة الإنتاج، مشيراً إلى أن الخطوات الأولى بدأت مع الكاتب بشار عباس لترجمة الفكرة التي قدّمها عبد العزيز، والتي كانت بالأصل مشروعاً لفيلم سينمائي، وقد خضع النص لتطورات كثيرة ضمن عدة جلسات عقدها مع الكاتب عباس وبعض الفنانين المشاركين، مؤكداً أن المؤسسة وفّرت للعمل مناخاً إنتاجياً جيداً ليقدم ما يريده بالشراكة مع الممثلين وفي مقدمتهم الفنان عباس النوري الذي كان له دور كبير في تحليل النص بكل أجزائه، فكان شريكاً حقيقياً إلى جانب الممثلين الآخرين، وقد عمل الجميع بروح الفريق وبمسؤولية كبيرة ودون أن يتخلى عبد العزيز عن ذهنه السينمائي بعد أن ذابت الفروق بين السينما والتلفزيون، والتي كان البعض يعمل وفقها حتى مرحلة الثمانينيات وقد أصبحت شروط العرض في السنوات الأخيرة سينمائية، معترفاً وهو الذي عمل مع القطاع الخاص لمدة 15 عاماً ويتعامل لأول مرة مع المؤسسة أن الطاقم الفني للمؤسسة هو من أفضل الكوادر، وأن الإدارة السابقة للمؤسسة من خلال السيدة ديانا جبور لم تبخل على العمل بشيء، وقد تابعت الإدارة الجديدة حماسها وتبنيها للعمل بمسؤولية شديدة.  من هنا طالب عبد العزيز بدعم هذه المؤسسة وتطويرها كمؤسسة دولة، لذلك كان يعنيه جداً أثناء العمل أن يُصرَف المال فيه بمسؤولية، وقد نُفّذ العمل ضمن الخطة المرسومة له وكان فيه حريصاً على إعادة مونتاجه أكثر من مرة لإعادة تركيبه وتقديم قراءات أخرى له.

ويوضح عبد العزيز أن “ترجمان الأشواق” عبارة عن حكاية شعبية فكرية ومعرفية، ولا ينكر أن الذهاب فيها إلى مناخ يساري لم يكن أمراً سهلاً، فكان التحدي برأيه معالجة هذا المناخ الثقافي والمعرفي من خلال قصة شعبية شديدة الواقعية وبلغة الناس العاديين، معترفاً في الوقت ذاته أنه لا يميل في أعماله إلى البحث عن حلول لمشاكلنا، وهذه ليست مهمة الدراما برأيه، لذلك هو يقوم في عمله بإعادة طرح الأسئلة، مع تأكيده على أن شروط ومعطيات أي عمل يجب أن تقوم على تقديم الحكاية والمتعة مشيراً إلى أنه اختار ممثليه بكل حرية دون أن تفرض عليه المؤسسة أي ممثل، ويعترف كمخرج لم يعتد الاستعانة بالنجوم في سينماه أنه لأول مرة يتعامل مع نجوم كبار أمثال غسان مسعود، عباس النوري، فايز قزق، ثناء دبسي، سلمى المصري، وغيرهم، وقد تخوَّف في بداية الأمر من ذلك، إلا أن الأمور سارت بشكل جيد، وقد فتح باب الشراكة معهم في تحليل الشخصيات، وخاصة الفنان عباس النوري بطل العمل الذي ساهم بشكل كبير في تحليل شخصيته وإعادة تركيبها بالشكل الذي سيراه الجمهور.

 

تجربة استثنائية

ويصف الكاتب بشار عباس مسلسل “ترجمان الأشواق” بأنه تجربة استثنائية ستشكل انعطافة في تاريخ الدراما السورية اتجاه تحقيق صورة أكبر عن الواقع، وهذا ما كان يبحث عنه ككاتب، من خلال مقاربة العمل للحقائق والقضايا التي تمس الناس بشكل حقيقي بعيداً عن الشعارات، وعبر مواجهة الواقع ومحاولة تشكيل رأي عام والتأثير فيه وقيادته.. من هنا كان للثقافة حضورها في هذا المسلسل المختلف بواقعيته وشعبيته وبساطته من خلال اختياره شخصيات يسارية في عمر الخمسين، باعتبار أن اليسار كان يتمتع بحالة رومانسية ووجدانية وقد كان حالة ثقافية عامة في مرحلة من المراحل التي مرت بها سورية والعالم، منوهاً إلى أنه قدم هذه الشخصيات بشكل مبسَّط، معبِّراً عباس عن سعادته الكبيرة بتعاونه مع مخرج مثقف كبير كمحمد عبد العزيز، مع إشارته إلى أن الساحة الدرامية تضم عدداً كبيراً من المخرجين الهامين في سورية، إلا أنه من الصعب أن نجد مخرجاً كعبد العزيز وهو المثقف والشاعر والكاتب والرسام.. من هنا استمتع بالحوارات والنقاشات والسجالات التي دارت بينهما حول العمل بهدف تطوير فكرته، ليقدّم العمل في نهاية الأمر مجموعة من الأفكار الغنية بطريقة فنية، موجهاً الشكر لإدارة مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني التي هيّأت ظروف إنتاج جيدة ورحبت بكل الآراء وأعطت هامشاً كبيراً من التجربة، بحيث لم تتدخل ولم تحاول فرض رأي وتعديل كلمة إلا لمصلحة العمل، معترفاً أن التحدي الأكبر كان بالمقولات العديدة التي حملها النص والشخصيات المتنوعة التي يضمها، فمنها من يعيش داخل سورية ومنها من يعيش خارجها في محاولة بحث عن الجيل الصغير الضائع، مؤكداً أن “ترجمان الأشواق” كعمل درامي عبّر عن الشخصية السورية من خلال شخصيات تشبهها وليست غريبة عنا لا شكلاً ولا مضموناً، فخرج الجميع -وهو منهم- من هذا العمل بأجمل ما كان يتمناه حين قدّم المخرج ما هو أجمل من التخيل.

صورة مختلفة

ويبدأ الفنان عباس النوري كلامه بالتأكيد على أن مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني قدمت كل ما يمكن تقديمه لإنجاز العمل، ومع هذا يرى أنها ما زالت فقيرة مادياً وهي الأغنى فكرياً مع طاقمها الفني والحضور الإعلامي لها، والجانب الثقافي والمعرفي الذي تتمتع به والتي لا يمكن أن يصل لمستواها هذا أيّ من شركات الإنتاج الأخرى، من هنا يؤكّد على أنها ليست بحاجة للدعم المادي فقط وإنما بحاجة لتنشيط حركتها بقبولها نصوصاً جريئة، لتكون اليوم معنية بإظهار أنضج المشاريع الفنية كعمل “ترجمان الأشواق” الذي أغرته فكرته بالدرجة الأولى من خلال التصدي لشخصية المثقف قائد الرأي ولأن العمل ينهل من الواقع عبر تجربة مثقف دخل عالم السياسة من باب الإيمان والعقيدة وقد دفع ثمن ذلك السجن ومن ثم السفر خارج البلاد ومن ثم العودة إلى الوطن في ظروف الحرب بعد أن اختُطِفت ابنته ليُفاجأ بما حصل لوطنه، شاكراً المخرج صاحب الفكرة الذي قدم فكرته بمنتهى البساطة وبكثير من العمق، متحملاً مسؤولية أدائه للشخصية، كما لا ينكر النوري أن أي عمل درامي لديه قدرة على إقامة علاقة مع الجمهور بغضِّ النظر عن مستواه، إلا أنه متأكد من أن “ترجمان الأشواق” سيبني علاقة مختلفة مع جمهوره، وسيكون معبِّراً حقيقياً لطموحات المؤسسة التي أنتجته وتحملت عبئاً كبيراً ليرى النور في سبيل تقديم صورة مختلفة عن الدراما السورية.

شارك في المؤتمر إلى جانب د.ماهر الخولي والمخرج محمد عبد العزيز والكاتب بشار عباس والفنان عباس النوري الفنانتان رنا ريشة ونوار يوسف والفنان علي صطوف ومدير شؤون الإنتاج ماهر عزام، والعمل من بطولة عباس النوري، غسان مسعود، فايز قزق، ثناء دبسي، سلمى المصري، شكران مرتجى، وعدد كبير من فنانينا.

أمينة عباس