ثقافة

معرض الخريف التشكيلي

أكسم طلاع

يعتبر معرض الخريف من أعرق معارض الفن التشكيلي السوري لما له من تاريخ يمتد لعشرات السنين بما تمثل من ذاكرة تشكيلية وطنية تزهو بأكبر التجارب الفنية العربية والعالمية، وقد حافظ هذا المهرجان على دوريته ما خلا بعض الانقطاعات القليلة. ويعول الفنان السوري على هذا المهرجان بحسابات الثقافة والمنافسة والتميز، وبالحصيلة السنوية النهائية لمجموع الأعمال التي تتحول إلى مقتنيات تملكها وزارة الثقافة، توزعها على مواقع حكومية أو تودعها في مستودعاتها إلى أجل مسمى.

ولا ينكر أحد الجهد والدور الذي تقوم به مديرية الفنون الجميلة من خلال الإعداد لهذا المعرض ودعوة الفنانين ولجنة التحكيم وفرز الأعمال، وصولا إلى العرض النهائي والإشراف على طباعة البروشور المرافق وتوزيعه أثناء المعرض، لكن عين المحب تقتضي المسؤولية في الرأي وفي السؤال أيضا عن واقع الحركة التشكيلية في سورية، وعن أسباب غياب العديد من الفنانين، وعن الدور الذي تلعبه بعض المفاصل الإدارية ومسؤوليتها عن تواضع ما يقدمه الفنان التشكيلي السوري لهذا المعرض، وعن حقهم في أن يكون معرضهم السنوي أكثر لياقة بسمعتهم وكفاءتهم وأقرب تعبيراً عن حال سورية التشكيلية التي تصر على إبداع الجمال والحياة رغم جراحات الوطن وآلام الحرب.

فمن جهة المنتج والأعمال المعروضة  يحضر السؤال حول الفن والحرب واللوحة الجديدة، متجاوزين إدعاءات أهل التبرير بالتنظير أن للفن حسابات مختلفة مع الزمن، كما يحتاج لوقت طويل بعد الحرب حتى ترى لوحة عاشت الحرب وتأثرت بها، وقليلة أو تكاد تنعدم تلك الأعمال التي تتضمن فكرة طليعية تحمل من لغة الجمال ما يكفي للقول أن الحرب مرت وآلمتنا، وانتصرنا، ومن حقنا كجمهور أن نلحظ ذلك في ناتج الفن التشكيلي السوري باعتباره مساحة ثقافية تعي الحياة وتعي دور الجمال فيها.

فيما يخص إدارة المعرض وطريقة العرض لا بد من القول بشجاعة أن نسبة تتجاوز الـ 20 بالمئة من الأعمال تصنف في خانة الأعمال المدرسية ومشاريع الطلاب، ومنها ما هو عبثي لا يرتقي لمستوى العمل الفني الذي يستحق أن يكون مصنفا في معرض الخريف ومحسوبا على سجل الذاكرة الوطنية التشكيلية، وهنا يمكن القول أن هناك من الأسماء المعروفة حضرت تجربتها بتواضع شديد، ومستوى اللوحة التي قدمها للمعرض لا يمكن تسميتها إلا “باللوحة البائسة” لأن لوحاته التي يقدمها للمقتني أو التاجر أو لمعرضه الفردي تختلف عما يقدمه لمعرض الخريف، ربما ثقته في اقتناء اللوحة من قبل الوزارة والمبلغ الرمزي الذي سيتقاضاه عنها دفع به لتقديم هذا المستوى المتواضع.

نضيف أن كبار السن من الفنانين لا يعني التجربة الكبيرة، وهذه الحسابات  “المشيخية” التي يتم التعامل بها في طريقة العرض مؤشر تخلف لا بد من تجاوزه واعتبار التجربة والعمل والفكرة في المقدمة، ورفض العمل المتواضع دون النظر لحسابات السن والصداقات، باستثناء ما  قدمه الفنان محمد ناجي عبيد صاحب الرقم واحد في عضوية اتحاد الفنانين التشكيليين والذي قارب عمره 100 عام، هذه التجربة تستحق أن يحتفى بها في معرض الخريف وتوضع لوحة هذا الفنان في المكان اللائق، لا أن توضع بين الأعمال المتواضعة في الصفوف الأخيرة.       وفيما يخص فن الحفر “الغرافيك” هناك مجموعة من أعمال الفنانين الشباب تستحق الإشارة لقيمتها الفنية الكبيرة، رغم أنها ظلمت بطريقة العرض المزدحم للأعمال. وللحديث عن النحت شجون. وكل عام وفنانينا بخير.