ثقافة

ندوة “الثقافة الوطنية ودورها في تحقيق النصر” تختتم أعمالها

تابعت ندوة “الثقافة الوطنية ودورها في تحقيق النصر” في يومها الثاني والأخير طرح محاور أساسية عن الثقافة والتنمية، وقد ترأس الجلسة الأولى د.عبد اللطيف عمران والتي ضمت ثلاث مداخلات أولها (ربط الثقافة بالتنمية) للدكتور حسين جمعة الذي أوضح أن الدوائر الصهيوأمريكية والغربية قد طورت كثيراً من أساليبها في الاعتداء على سيادة الدول وكرامة شعوبها، فلم تعد تتدخل في شؤونها مباشرة وإنما راحت تسيطر على مقدراتها باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، مستفيدة من البيئة الثقافية والاجتماعية المتخلفة كما تستفيد من الأخطاء التي تمارسها أي سلطة وطنية في عملية التنمية الشاملة.

وأضاف جمعة: حينما نجحت تلك الدوائر في اختراق الأوضاع الوطنية سياسياً وثقافياً واجتماعياً في الدول العربية والإسلامية وتلاعبت ببعض عقول أبنائها فحققت ماتصبو إليه وفق إدارة الحرب الناعمة كان على هذه الدول أن تعيد النظر في تنمية الوعي بالقضايا الوطنية الكبرى وتقوم بعملية إصلاح إداري وسياسي واقتصادي واجتماعي وأن تقوم بمراجعة نقدية وواعية شاملة لكل مايجري في بلدانها، وأن تدرس واقعها بأسلوب موضوعي وعلمي مستفيدة من التنوع لإغناء عملية التنمية والارتقاء بها نحو آفاق المستقبل المتطور، مؤكدا انه لن يتأتى ذلك إلا إذا ربطت الدولة برامج مؤسساتها الوطنية بتنمية الموارد البشرية والإدارية والطبيعية، مشدداَ على أن الأهم هو إعادة بناء الإنسان وربطه بالتنمية وبالوعي كي يعي وجوده وانتماءه وهويته ووطنه ومفهوم الوطنية.

الثقافة  الإنتاجية

من جانبه أكد د. مصطفى الكفري في مداخلته (تنمية روح الثقافة الإنتاجية) على أن هذه العملية هي بمثابة المحور الرئيسي للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي مجتمع، فعن طريق زيادة الإنتاجية وتحسين مستواها يتم إحداث زيادة فعلية في دخول الأفراد، وتدعم النظام الاقتصادي وتوفر فرص عمل جديدة وتحقق مزيداً من التقدم والرفاهية لأفراد المجتمعات، ثم أشار إلى أن حماية الثقافة وتطويرها غاية في حد ذاتها ووسيلة للمساهمة المباشرة لتحقيق جزء هام من أهداف التنمية المستدامة، مبيناً أن العمل بأهداف التنمية يسمح أيضاً بجني فوائد غير مباشرة من الثقافة وتنمية روح الثقافة الإنتاجية، لافتاً إلى أن أهداف التنمية المستدامة وتنمية روح الثقافة الإنتاجية أحدثت مفهوماً جديدأً للتنمية يتجاوز معدلات النمو الاقتصادي البحت ليرسم مستقبل دول العالم المنشود الذي يقوم على الأمن والسلام.

ونوه الكفري إلى أن البعض مازال يخلط بين ثلاثة مصطلحات هي الكفاءة والفعالية والإنتاجية التي هي محصلة التفاعل بين عنصري الكفاءة (المرتبط بجودة التنفيذ) والفعالية (المرتبطة بجودة القرار) وذكر أن للدولة دوراً في زيادة الإنتاجية وكذلك للثقافة  تأثير باعتبارها مصدراً أساسياً لنموها، ورأى الكفري أن أسباب انخفاض الإنتاجية في الدول النامية هي ضعف البنية التحتية والارتجال في الإدارة وضيق السوق العالمي وقلة الخبرة وضعف الوعي الصناعي وغيرها، منوهاً أن الإنتاجية لا تتحقق إلا بتوافر جودة القرارات الإدارية وجودة الأداء، مضيفاً أن أهم المبادئ التي ترفع مستوى الإنتاجية هي ترسيخ الثقة العميقة والمتبادلة بين العمال وأرباب العمل والاستغلال الأمثل للموارد والتوزيع العادل وتحسين خبرات العمال والمدراء وسواها.

قيمة ثقافية

ورأى الأديب حسن م. يوسف في مداخلته “الموقف من العمل كقيمة ثقافية” أن هذه العبارة تنطوي على أربعة مفاهيم ابتدأها بالموقف والذي هو وضع عقلي يتخذه الإنسان ويمثل درجة إعجابه أو عدمها بشخص أو خبرة ما أو قضية ما، ثانياً: العمل الذي هو كل نشاط يهدف إلى إنتاج، ويقتضي بذل قدر من الجهد العضلي أو الذهني أو العصبي، فعن طريق العمل يتناول الإنسان موارد الطبيعة ويغيرها وفقاً لحاجاته، وعن طريقه أيضاً تتشكل شخصية الإنسان فيتمكن من تنمية وتطوير قدراته وتحسين أدائه. ثالثاً القيمة: ففي الاقتصاد هي ما يساويه من عمل ومادة وخام، أما في الفلسفة فهي إحدى القيم التي تعتبر جزءاً من الأخلاق، والقيم هي مجموعة مفاهيم تختص بغايات يسعى إليها الفرد. رابعاً: الثقافة والتي تتصل بمفهوم العمل إلى حد بعيد وترتبط به والتجربة المباشرة، وهذه المقاربة ترسم خطاً فاصلاً بين المتعلم والمثقف، فالمتعلم هو شخص تلقى معلومات منظمة تم تخطيطها وفق منهاج محدد بغرض صياغة فكره وتوجيه سلوكه، أما المثقف فهو موقف حي متفاعل ومتجدد من العالم يشكل نتيجة تجارب وخبرات ومعارف عديدة مختلفة من بينها التعليم.

ويجد “يوسف” أنه على الرغم من التوضيح للمفاهيم الأربعة بأن العنوان ما يزال ينطوي على شي من الغموض، فكل نصوص الأديان السائدة في بلادنا تحث الإنسان على ممارسة العمل بوصفه قيمة روحية واجتماعية، وتحض الفرد على النزاهة والاجتهاد، إلا أن ثقافة العمل في مجتمعنا لا تزال مخلخلة وتتباين من شخص لآخر، فغالباً ما يتوقف على تربية الأفراد وظروفهم وأمزجتهم، الجميع يتحدث عن أخلاقيات العمل إلا أنهم يناقضوها في سلوكهم اليومي، ويمكن القول إن موقف مجتمعنا من العمل كان مشوشاً إلى حد بعيد بسبب الظروف البشعة التي حكمت مجتمعنا، وهنا يحول “الكاتب” عنوان المداخلة إلى سؤال “ماهو الموقف من العمل كقيمة ثقافية في مجتمعنا؟ ويجيب يوسف: إن دولتنا الوطنية لم تنجح إلى الآن في اكتساب المواطن كشريك حقيقي لها، كما أنها لم تستطع أن تربي جيلاً يعتبر العمل الجيد المتقن مقياساً لأخلاق المواطن يحرص عليه حرصه على شرفه وعرضه، فأي تنمية لاتقوم على احترام العمل والعامل تبقى محكومة بالفشل،وللتعليم والإعلام دور جوهري في تعميم ثقافة احترام العمل فبفضل التعليم تمكنت أمم لا تملك سوى القليل من الثروات الطبيعية من تحويل نفسها إلى دول محترمة لها مكانها على خريطة العالم.

احترام الملكية

وبدأت الجلسة الثانية التي ترأسها الأستاذ علي قاسم بمداخلة  “ثقافة احترام الملكية العامة والمحافظة عليها” للدكتور إسماعيل مروة الذي رأى أن أول إشكالية تطرح نفسها عندما يتعلق الموضوع بالملكية العامة هي هل تبيح الأزمات حق الاعتداء على الملكيات الخاصة والعامة، ويأتي تعريف الملكية العامة على أنه هو كل منشأة ذات نفع عام وهذه المنشأة قد تكون في الأصل خاصة آلت إلى الملكية العامة بشكل من الأشكال، لافتاً أنه في سنوات الحرب على سورية ظهرت ثقافة فوضوية حيث اعتدى الكثيرون على المرافق العامة والبنية التحتية والمباني العامة وقد سوغ هؤلاء عملهم بأن هذه الملكيات للدولة وأن من حقهم أن ينالوا مما تملكه، ثم ناقش “مروة” آليات بث روح الوعي لدى الناس باحترام الملكيات وبضرورة التوعية بأن هذه الملكيات العامة ملكية للجميع، وأنها نتاج جهد شعبي وعبر مئات السنين وأن النيل منها سيؤدي إلى تردي الخدمات، ومن ثم إلى ضائقة على عامة الناس لتسترجع هذه الملكيات عافيتها. وأشار مروة إلى أن هناك شواهد على الاعتداء على الملكية العامة ساقها المعنيون والمسؤولون تدل على فداحة الاعتداء عليها، وسياق الدعوة للمحافظة عليها يدل على خطورة هذا الفعل، وختم مروة حديثه قائلاً: إن تعزيز ثقافة احترام الملكية العامة يؤدي حتماً إلى احترام كل أنواع الملكيات، فالملكيات الخاصة ليست مباحة في الأحداث ولا يقترب منها أحد إلا وفق القوانين والأنظمة.

إعادة الإعمار

ورأت د. عبير عرقاوي أن الهدف من (الحفاظ على الهوية المعمارية والعمرانية خلال إعادة الإعمار) هو حماية الهوية الثقافية والحضارية والتراثية للمدن والأحياء التاريخية والحفاظ على الطابع المعماري المميز في سورية، في ظل الضرر الكبير الذي حل بالموروث الثقافي الثابت من خلال تهدم المباني والمواقع التاريخية الكبير، أما المضمون فهو تحليل للضرر الذي لحق بالإرث الثقافي والحضاري لسورية وبيان طرق الحفاظ المعماري والعمراني حسب الوثائق الدولية والوطنية، وبيان التجارب العالمية لتقديم خطة توصف طرق الحفاظ والحماية وأولويات التدخل، معتبرة انه يمكن فهم الأصالة التاريخية بطرق مختلفة، فهي تعكس أهمية مراحل البناء والاستخدام في مختلف مراحل الخط الزمني التاريخي والتي يمكن أن تتعرض للخطر نتيجة تدمير الطبقات التاريخية، وإبدال العناصر الأصلية ولها جوانب أربعة في التصميم والمواد والحرفة والموقع، مبينة أنه فيما يخص التنوع الثقافي والوراثي يعتبر التنوع  مصدراً لايمكن تعويضه للثراء الفكري والروحي، وهو يتطلب احترام الثقافات الأخرى، والاهم أن التراث الثقافي هو للجميع، لافتة أنه اعتماداً على طابع التراث الثقافي ترتبط تقديرات الأصالة بالقيمة التي تحددها مصادر المعلومات فالأصالة جزء أساسي من تحديد الهوية العملية الإبداعية وتقييم المورد التراثي أيضاً مرتبط بالعملية الإبداعية التي أنتجته، مشيرة إلى أن السلم الزمني لسورية هو ارث كبير تعكس كل مرحلة تاريخية فيه نماذج مختلفة من تاريخ سورية الفريدة على مستوى العالم والتي تتضمن أماكن ومواقع تراثية متعددة لم يسجل إلا جزء منها، ثم تحدثت عن الضرر الجسيم الذي لحق بأجزاء مختلفة منها. وفي أطار الحديث عن حماية التراث لطالما اعتبرت إعادة الأعمار ضمن سياق عملية الترميم التي  تنطوي على عمليات والتزامات طويلة يمارس السكان المحليون والسلطات والهيئات دوراً فاعلاً فيها.

تشجيع المبادرات

وبيّن د.صلاح الدين أحمد يونس في مداخلته “تشجيع المبادرات الفردية والجماعية في إعادة البناء” أهمية امتلاك العقل الحر كشرط لبناء مجتمع يقوى على تحليل منظومات التاريخ والراهن، ويمتلك سبل التخطي والتجاوز لمعضلات الواقع الوطني والدولي، وفي الوقت نفسه يقوى على صياغة ديالكتيكية تعصف بالسكون بأشكاله وتقرب الوضوح المنهجي للمستقبل وقد انطلقنا من مفهوم “العالم الجديد” الذي أخذ يتشكل منذ بدايات القرن السادس عشر، ولعل السمة السائدة للعالم المنوه به هو “الفردية الجماعية” والمجتمع الحديث لا يلغي دور الفرد ولا يذيبه، وإنما يهيئ الأفراد “للعضونة” كخطوة تأسيسية للهارمونية المجتمعية، ومن هنا يرى يونس أن المحنة السورية جديرة بأن تدفعنا إلى الإقرار بضرورة إعادة البناء على الصعد كافة وفي مقدمتها: بناء الفرد السوري على المستوى الثقافي والروحي وخاصة جيل الشباب الذي أزيح عن ثقافته الأساسية، ويرى أن التعليم الحديث بكل حمولات الحداثة هو الخطوة الرائدة في هيكلية الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية، وأما الخطوة اللاحقة فهي إعادة بناء الحياة السياسية على أسس وطنية ليتسنى للمستويات الاجتماعية كلها المشاركة في البناء الوطني، مما يعزز الجبهة الداخلية في مواجهة الجبهة الخارجية.

وفي ختام الندوة قدم د. حسين جمعة كلمة المشاركين في الندوة أكد فيها أن الثقافة هي نبع الحياة ونتاج المخيلة الإنسانية المتراكمة، والثقافة الوطنية عند جميع الشعوب هي حارسة للانتماء وصانعة للهوية المتميزة، وهكذا برزت ثقافتنا الوطنية خلال مسيرتها وخاصة في السنوات الأخيرة التي تعرضت فيها سورية لجرائم وحشية، ومازالت تتطلع نحو تحرير كل ذرة من الأرض، وأكد المجتمعون في كلماتهم وأوراقهم البحثية تطلعهم إلى سورية الآمنة المستقرة المتقدمة، إذ آمنوا بأن الكلمة الوطنية المناضلة والمقاومة رفيقة البندقية في ثقافة التحرير والمقاومة.

علا أحمد- لوردا فوزي