ثقافة

أنا لا أملك صحيفة

اليوم من قبيل الصدفة بحثت مطولاً في منزلي عن صحيفةٍ أطالعها لأفاجأ بحقيقةٍ غريبة وهي أني لا أملك واحدة.. والحقيقة الموجعة أكثر أنّي لا أتذكّر متى كانت آخر مرّة تحسست أصابعي أوراق صحيفة.

حسناً إذاً هل يجعل هذا منّي فتاةً مستهترة غير مثقّفة!؟ لا أعتقدُ ذلك رغم اعترافي المرير بأني من أصحاب التفكير القديم جداً عندما يتعلّق الأمر بالقراءة، ورائحة الكتب والأوراق الممزّقة والصفحات التي تمتلئ ملاحظات من هنا وهناك.

إنّي من عشّاق القراءة الورقيّة رغم اتجاهي في الآونة الأخيرة للصحافة الالكترونية وتصفحّها على هاتفي النّقال، ولكن هذا لا يفسد للودّ قضيّة ولا يجعلني متّهمة بقلّة الوفاء، فلا زالت ذاكرتي ممتنّة لتلك الأوراق التي شكلت تاريخاً ناصعاً بالنسبة لي.

وأنا أبحث عن صحيفة اليوم تذكّرت ذلك الكلام وتلك الندوات والمؤتمرات التي كنت أتابعها بإلحاح عن دور الصحافة الورقية ومستقبلها وعزوف الشباب عنها، وأفول نجمها لصالح الصحف الرقميّة أو المدوّنات والصفحات الافتراضية التي أصبحت تحل محل المطبوع.

لطالما ظننت أنّ المشكلة ليست هنا، أعني ما الفرق إن كنت أقرأ صحيفة ورقية أم رقمية!؟ الخبر يبقى خبراً وطالما أنّي أقرأ فهذا هو الأهم.

في الماضي كانوا يكتبون على جدران الكهوف وألواح الطين وجلود الحيوانات ومع ذلك قرأنا لهم، وسمعنا قصصهم بعد ملايين السنين ولم نهتم كيف كتبوا!؟ وأين كتبوا!؟ فلِم اليوم نحن مختلفون على الشكل كل هذا الاختلاف!

إن تطور شكل الطباعة والإخبار إلى الشكل الذي نراه اليوم طبيعي، بل هو ضروري لإكمال مسيرة الكلمة، فلطالما تأثرت طرق التواصل بمسيرة تطور البشر واختراعهم لأساليب ووسائل جديدة في مختلف المجالات لم تكن موجودة سابقاً  استجابة  لواقع حياتهم اليومي.

وبالنسبة للصحف ما يهمها ويهمنا حقاً بشأنها، هو أن تؤدي وظيفتها وهو الإخبار بأي طريقة كانت. فلماذا إذاً ننظر إليها بشكل مستقل عن هذا التطور الشامل، ونحرّم عليها أن تتماشى مع اليوم وتحدّث نفسها، لِم ننظر إلى الأمر على أنه حرب مع الآلة الحديثة لحساب من سيفوز ومن سيخسر!؟. لماذا كل هذا الخوف من تحديث أوراقنا وجعلها رقمية؟ فالحصول على المعلومات اليوم أصبح أسهل ومتاحاً بشكل أكبر، في أي زمان، وأي مكان مع إمكانية النسخ واللصق، والذاكرة اللامحدودة والتبادل السهل الممتع. كل هذا الإغراء يجعل من رائحة الورق أمراً مملاً وشاعرياً. لقد أصبح للكلمة فضاءٌ واسع وصارت مع هذا الفضاء القراءة أسهل ووصول الصحيفة أوسع وأكبر، لا بل مع إمكانيات اليوم أعتقد أن ارتباطنا بالصحف أعمق من ذي قبل.

إذاً يبدو السؤال لي مشروعاً، لِمَ تستنفر الصحف وتحشد أقلامها في حرب عبثية، مع  عدوٍّ وهمي هو التطور التكنولوجي الطبيعي لأي أمة. لِمَ لا تطوّع هذا الوحش الرقمي الذي يبتلع الكون ويبتلعنا، وتحاول أن تصل لأبعد من الحدود التي وصلت إليها. لِمَ لا تعقد اتفاقاً مع أجهزتنا الذكية وتتسلل إلى تفاصيل حياتنا اليومية بدل أن تتباكى على مصير بضعة أوراق ناسيةً أو متناسية مصير الأخبار.

في الحقيقة لا أحد يهمه كيف يعرف، المهم هو أن يعرف. وبالنهاية أنا لا أملك صحيفة ولكني أعرف، أو على الأقل أحاول أن أعرف.

بثينة أكرم قاسم