ثقافةصحيفة البعث

سامر محمد إسماعيل: السينما على خشبة المسرح في “تجربة أداء” قريباً

كان من الصعب على الكاتب والمخرج سامر محمد إسماعيل الحديث عن مسرحيته كاتباً ومخرجاً “تجربة أداء”، المقرّر بدء عروضها في 10/2 على خشبة مسرح القباني دون الإشارة إلى أن أهم الصعوبات التي تواجه اليوم كلّ من يعمل في المسرح تتعلق بالأجور التي لا تشجّع أحداً للعمل فيه، موضحاً أنه ليس من العدل أن يعمل الفنان في المسرح ولا يتقاضى الأجر المناسب للجهد الذي يقدّمه عبر أيام طويلة من البروفات والتدريبات وأيام العرض. من هنا فإن كلّ من يعمل اليوم في المسرح –برأيه- هم من عشاقه الذين يريدون أن يقولوا شيئاً عبره باعتباره وسيلة تعبير لا غنى عنها، مع تأكيده أن عشاق المسرح أصبحوا قلائل جداً، موجهاً اللوم إلى بعض نجوم التلفزيون الذين يكتبون على الفيسبوك وسواه ويتبجّحون بحبهم للمسرح ولديهم دائماً حججهم وذرائعهم للتنصل من المشاركة في أي عرض مسرحي، وهذا برأيه نوع من النفاق الذي يمارسه بعضهم بكل صفاقة بعد أن أصبح عدد منهم عبيداً للمال والإقامات الذهبية.

تحية لفن السينما

ويبيّن إسماعيل في حواره مع “البعث” أن “تجربة أداء” توقف التحضير لها أكثر من مرة بسبب أمور لها علاقة بإيجاد الممثلين المناسبين، وهو الذي كان مصراً على العمل مع ممثلين محترفين ومناسبين للشخصيات الثلاث التي تدور حولها المسرحية، ويقدّم من خلالها تحية لفن السينما الذي هو اليوم فنّ يكاد أن ينقرض كظاهرة اجتماعية وكطقس مشاهدة بعد أن أصبحت الأفلام تُعرض على الهواتف الذكية لتتحوّل صالاتها للمهرجانات والعروض المهرجانية الخاطفة، وأنه اليوم يعود من خلال “تجربة أداء” ليقدّم ما يشبه تحية لفن السينما الذي أرشف وسجّل تاريخ البشرية عبر عشرات الأفلام التي لا تُنسى، وذلك وفق الشرط الفني المسرحي “فيلم داخل مسرحية”، متمنياً أن يكون قد وفق في ذلك ليبقى الحكم النهائي برأيه للجمهور وللنقاد وللصحفيين الذين سيشاهدون العرض.

الواقع تجاوز المخيلة

ويوضح إسماعيل أن التوقيت الذي يُقدّم فيه عرض مسرحي مرهون دائماً بما يريد أن يقوله ,i, الذي يحدّد الشكل الفني الذي يناسبه “سينما، مسرح، تلفزيون، قصيدة، مقالة”، مؤكداً في الوقت ذاته أن تحديد زاوية النظر أو المحرق الذي من خلاله يريد أن يقوله يعود إلى الذائقة الشخصية، وهي عملية معقدة في ظل صعوبة الخيارات الفنية لأن ما يحدث اليوم هو أن الواقع تجاوز المخيلة التي تركض اليوم وراء الواقع ولا تلحق به، وأن الفنان عندما يقدم على تحديد خياره فهو يقوم بمغامرة حتى ولو كانت مغامرة محسوبة لأن الواقع اليوم تجاوز المخيلة بآلاف الأميال. من هنا فإن أسئلة ماذا نريد أن نقدم اليوم؟ ولماذا نريد أن نقدم ما نقدمه؟ تندرج تحت الخبرة والتقديرات الشخصية ومعرفة ماهو المناسب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن موضوعات “الغيرة- الحقد– الكراهية- الحب” هي عواطف خالدة منذ الأزل، ولكن يبقى سؤال الفن دائماً هو كيفية تقديم هذه الأفكار، مع تأكيده أن معادلة المسرح دائماً هي الآن وهنا، نحن والآخر، وعندما تتحقق هذه المعادلة من خلال ما يكتب ويصبو لإخراجه يبدأ هو التحضير للعرض المسرحي.

الكتابة للخشبة

وككاتب ومخرج يكتب عادة نصوصه المسرحية، يبيّن إسماعيل أنه لا يحتاج نصوصاً من أحد، فهو يكتب نصوصاً مسرحية لتقدم على خشبة المسرح وليس نصوصاً أدبية، فالنص المسرحي برأيه يجب أن يكون لديه ذخيرة ومعرفة بفن المسرح وبالشرط الفني له وبطبيعة العرض والحوار المسرحي، لذلك يرى أن عشرات النصوص التي تنضوي تحت مسمّى الأدب المسرحي في معظمها لا تصلح لأن تُقدّم اليوم، وخاصة بعد عشر سنوات سوداء من تاريخ سورية، منوهاً بأنه ككاتب مرّت الحرب على نصوصه وعروضه، ولكنه لم يذهب إليها بشكل مباشر بل تحدث فيها عن الإنسان الذي يعيش شرطها إيماناً منه أنه ليس من الحكمة أن نذهب إلى المُباشرة فيها وهي الأسهل.

علاقة بنيوية

وكمخرج يؤكد إسماعيل أن الشكل لا ينفصل عن المضمون، وإن لم يكن هناك تلازم بين الشكل والمضمون لا يقدِم على أي تجربة، وخاصة في المسرح، حيث يجب أن يكون الشكل داعماً للموضوع وأن يتبادلا الأدوار، لذلك يسعى دوماً في أعماله لأن يبني علاقة بنيوية بينهما، بحيث يكون الشكل والمضمون كالروح والجسد لا يمكن فصلهما عن بعض، لأن الشكل هو نتيجة ولا يعني شيئاً إن لم يكن في خدمة المضمون.

الممثل الشريك

يؤمن إسماعيل بالممثل الشريك وليس الأداة، والفارق بينهما برأيه كبير، لذلك يطمح دائماً إلى أن يكون معه ممثل شريك، يفكران معاً، وهذا لا ينطبق على الممثل وحده بالنسبة له، وهو الذي ينحاز دوماً للتفكير الجماعي في العرض إن كان على مستوى الإضاءة والسينوغرافيا أو على مستوى أداء الممثلين، مشيراً ورداً على سؤال كيف اختار ممثليه إلى أن الممثلين هم من اختاروا المخرج هذه المرة وليس العكس، وهذه خصلة من خصال العمل في المسرح، فالممثلون في هذا العرض اختاروا أن يعملوا فيه لأنهم أحبوا النص والفرضية التي يقوم عليها، موجهاً التحية لهم لأنه لا يمكن اليوم إلزام أي فنان بالعمل في المسرح بأجر متواضع بحيث يدفع الممثل فيه أكثر مما يناله من أجر، وخاصة فيما يتعلق بمسألة المواصلات مثلاً، ليكون السؤال برأيه هل نحن فعلاً في أزمة كمسرح وطني؟ وهل نستطيع أن نستمر في هذه الصيغة؟ وهل نحتاج لمعجزة لتتبدل الظروف؟.

وختم إسماعيل كلامه قائلاً: نحن نعمل اليوم على الرغم من كل الظروف الصعبة حتى يظل المسرح حياً ويضجّ بالحياة، ومن يعمل في المسرح يشعر أن من مسؤوليته الدفاع عنه حتى لا تتحوّل مسارحنا لشركات صرافة أو مستودعات أحذية، معبّراً عن اعتزازه ومن معه بالعمل مع المسرح القومي وفي مسرح القباني الذي يضمّ في أرشيفه أعمالاً لعشرات المثقفين والفنانين السوريين الذين وقفوا على خشبته اقتداءً بجدّهم القباني الذي وقف ضد الغلاة الذين أحرقوا مسرحه مرتين، موجهاً التحية لكلّ من يعمل في المسرح ولم يتركه إيماناً منه بهذا الفن، وفي مقدمتهم: أيمن زيدان، فايز قزق، د. سامر عمران.

المسرحية من تمثيل: عامر علي، دلع نادر، مجد نعيم، سينوغرافيا أدهم سفر، ديكور محمد كامل، أزياء وماكياج سهى العلي، موسيقا رامي الضللي، رسم حركة أيهم مؤمنة، مساعدا المخرج بسام البدر وخوشناف ظاظا، مدير المنصة يوسف النوري، مشرف الملابس والاكسسوار هيثم مهاوش، مادة فيلمية طارق عدوان وحازم عبد الله.

أمينة عباس