ثقافةصحيفة البعث

رحيل أسامة الروماني… أحد أهم أعمدة الحركة المسرحية

أمينة عباس

تتوالى خسارات الوسط الفني بفنانين كبار أثروا حياتنا الفنية وكانوا  علامات فارقة فيها، ومنهم الفنان أسامة الروماني الذي كان أحد أهم أعمدة الحركة المسرحية في سورية، وقد جاء نبأ رحيله اليوم صادماً للجميع وهو الذي تألق بموسم رمضان الماضي بعدد كبير من الأعمال التي شارك فيها وكأنه كان يودع ما يحبّه ويعوض سنوات عديدة كان فيها بعيداً عن التمثيللمدة 42 عاماً، إذكان يعمل في الكويت في المجال الإعلامي ضمن مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربي من خلال إعداد البرامج ووضع التصورات لبرامج توعوية وإرشادية وتنويرية وأفلام وثائقية وبرامج شبه درامية وأحياناً مسلسلات درامية.. وكان الراحل يبيّن دوماً في حواراته أن الابتعاد لم يكن في أجندته منذ البداية، ولكن عندما ذهب للعمل في برنامج “افتح يا سمسم” عام 1974 لم يكن يتوقع أن يستمر كل هذه السنوات، حيث رغبت إدارة المؤسسة في تجديد التعاقد معه لبرامج أخرى وكانت بالنسبة له نوع من التجديد الإعلامي في الوسط الفني والثقافي ووجدها فرصة لإثبات الوجود بعيداً عن التمثيل والإخراج مما أبعده عن التمثيل كل تلك الفترة الطويلة،ليعود بعد تقاعده إلى سورية والعودة إلى التمثيل من خلال مسلسل “وثيقة شرف” إخراج باسم السلكا لتتوالى بعد ذلك مشاركاته في أعمال درامية مثل”كسر عضم” و”على قيد الحب” و”حوازيق” و “شرف”، كما شهد الموسم الرمضاني الماضي مشاركات كثيرة له في مسلسلات”مربى العز”، “خريف عمر”، “صبايا فليكس”و”الكرزون”.

بداية الرحلة

كانلأخيه هاني الروماني وهو الذي سبقه إلى عالم التمثيل الفضل في أن يخطو خطواته في عالم المسرح من خلال فرقة المسرح الجامعي ومن ثم ندوة الفكر والفن التي أسسها د. رفيق الصبان واقد انضم إليها عام 1961 وكانت تضمإلى جانب الممثلين الهواة أعضاء من النخبة وقادة الرأي، أمثال صلحي الوادي، محمد الماغوط، لؤي كيّالي، فاتح المدرّسوغيرهم.. وقد وقف الراحل أسامة الروماني على خشبة المسرح لأول مرة عندما أسند إليه دور صغير في مسرحية “الليلة الثانية عشرة” لشكسبير، ثم شارك في مسرحية “تاجر البندقية” وعدد من الأعمال المسرحية العالمية التي كانت تقدمها الندوةوفي العام 1976،  شارك الروماني بمسرحية “جعجة بلا طحن” التي أخرجها الصبان لطلاب الأدب الإنكليزي وكانت باللغة الإنكليزية، وتمّ عرضها كذلك في الجامعة الأميركية في بيروت لمدّة أسبوع، وقد أشاد النقاد بها كثيراً رغم أن جميع المشاركين فيها كانوا من الهواة.

مع دريد لحام

بعد أن حقق الروماني نجاحاً في عدد من الأعمال المسرحيّة، التقى الفنان دريد لحام في إحدى حفلات تكريم أبطال حرب تشرين التحريرية، وحينها عرض عليه لحام العمل معه في مسرحية “ضيعة تشرين” من خلال شخصية نايف، ورأى الروماني أن دعوة دريد لحام للعمل معه من خلال نص للماغوط مع مجموعة كبيرة من النجوم كان بمثابة تكريم له، وقُدّمَت المسرحية عام 1974 على خشبة مسرح العمّال، ومن ثم في بيروت وعمّان وحلب، وفي ذات الفترة كان دريد لحام يُحضّر لمسرحية “غربة” للدخول في تفاصيل الهم الإنساني فدعاه مرة ثانية للمشاركة فيها، وعندما كان يتحدث الراحل الروماني عن سبب نجاحمسرحيات غربةوضيعة تشرين، كان يرى أن الشراكة الناجحة هي التي خلقت أعمالاً خالدة كشراكة محمد الماغوط ودريد لحام، حيثأن الماغوط كان يمتلك فكراً والفنان دريد لحام كان ضليعاً وذكياًيعرف كيف يفرش لأفكار الماغوط،  ويذكر الراحل دوماً أنه خلال تواجده في الكويت كان الفنان دريد لحام يرسل له نصوص مسرحيات ويطلب منه اختيار الدور الذي يرغب في تأديته، ولكن البعد كان يحول دون ذلك، كما كان الراحل يتحدث في حواراته بحرقة عن دور كان سيلعبه في مسرحية “رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة” لفواز الساجروهو شخصية “حنظلة”، وفي نهاية الستينيات من القرن الماضي كانت نقابة الفنانين في بداية مشوارها وكان الراحل ضمن مجموعة فنانين عملوا على إنشاء فرقة مسرحية برعايتها وقدم من خلالها مجموعة من مسرحيات حازت على إعجاب كبير، وفي الوقت ذاته عمل مع الكاتب سعدالله ونوس والمخرج علاء الدين كوكش على إنجاز مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” التي عمل فيها ممثلاً، كما عمل في مسرحية “حفلة سمر من أجل 5 حزيران” ضمن الفريق الإداري وليس ممثلاً فيها، أما في المسرح الطلابي فلم يساهم فيه كممثل بل مساعداً للمخرج في مسرحية “الكترا” ومسرحية “الاعترافات الكاذبة” التي قدمت باللغة الفرنسية، وعلى صعيد الإخراج فقد أخرج الراحل مسرحية “البخيل” في جامعة دمشق والتي حققت نجاحاً كبيراً شهد به أساتذة قسم اللغة الفرنسية في الجامعة.

التلفزيون

أدى أسامة الروماني  الكثير من الأدوار في عدد من الأعمال  التليفزيونية مثل”زقاق المايلة”، “بصمات على جدار الزمن”، وسلسلة حلقات “ما بين الحقيقة والخيال”.. إضافة إلى تجسيده دوراً مهماً في مسلسل “حمام القيشاني” وهو شخصية “أديب الشيشكلي”،كما كانتللراحل رغبة ملحةفي تجسيد دور عبد الرحمن الشهبندر وهوالرجل العلماني المنفتح الذي سبق زمانه.

السينما

كان الراحل يفضل دوماً أن يتم تقديم سينما ببعد إنساني، وقد شارك بعد عودته إلى سورية بالفيلم القصير «الرجل»  إخراج سمير طحان.

يقول الراحل أسامة الروماني بعد عودته إلى سورية :”حينما تقاعدت من عملي بالكويت قررت العودة إلى سورية، إلى بلدي، وكان بإمكاني البقاء فيها  أو ربما كان بإمكاني السفر لأي دولة أوروبية أو غير ذلك، لكنني لملمت نفسي وحوائجي وعدت إلى الشام”. كماأوضح الروماني في لقائه مع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحيةمن خلال “ملتقى الإبداع” الذي استضافه العام الماضي أنه لا يمكن أن تقوم للمسرح قائمة دون دعم من قبل الدولة، ليس في سورية فقط بل في كل أنحاء العالم، وأن دعم الدولة للمسرح في سورية قائم ولكن المطلوب أن يكون على مستوى الطموح، مبيناً أن الجيل الجديد الذي يتخرّج من المعهد سيتابع مسيرة الأجيال التي سبقته وهو مدرك أن العمل في المسرح لا يطعم خبزاً، لذلك يتفهم توجه خريجيه للعمل في السينما والتلفزيون، ولكنه مع هذا طالبهم بعدم التخلي عنه.