“الفتاة في القطار” تقفز عن السكة
“أنا ممتنة لتلك الرحلات الأسبوعية التي جعلت مني قارئة وكاتبة بنفس الوقت، لذا لا يمكنني أن أكون أكثر من مسرورة لأكتشف أن الرواية كانت من ضمن أكثر الكتب طلباً حول العالم”. بهذه الكلمات عبرت الكاتبة البريطانية “بولا هوكينز” عن فرحتها بتصدر روايتها “The girl on the train- الفتاة في القطار” أكثر الكتب مبيعاً في بريطانيا وعلى متجر “أمازون” الالكتروني الشهير عام 2016.
وككل نجاح غالباً ما يقابل بفشل، والفشل هنا هو تحويل هذه الرواية إلى فيلم سينمائي أخرجه “تيت تايلور” وكتبته للسينما “إيرين ويلسون”، وأبصر النور عام 2016. يصنف الفيلم كما الرواية على أنه قصّة إجرامية مع قفزات زمنية وتعتيم وتضليل متواصل وجذب وصرف للانتباه عن المسألة الأساسية.
تدور أحداث الرواية في بريطانيا، بينما نقل الفيلم أحداثها إلى الولايات المتحدة، مع فتاة اسمها راشيل (إميلي بلونت)، الشخصية الرئيسة التي تركب قطاراً في رحلة ذهاب وإياب يومياً إلى وسط مدينة نيويورك من إحدى الضواحي.
يمرّ القطار بأحد الأحياء الراقية، كانت تسكنه راشيل، تراقب منزلاً معيناً، تعيش فيه فتاة شابة جميلة تدعى ميغان (هالي بينيت) وزوجها سكوت (لوك إيفانز) وهما يمثلان ما تعتبره راشيل زوجاً مثالياً. تمزج راشيل ذكريات من حياتها السابقة المريرة مع أوهام حول الزوجة التي تراها من نافذة القطار باكيةً كل النعم التي فقدتها. وكل مرة يمرّ القطار أمام منزلهما تراهما في وضع حميم، عدا مرّة شاهدت فيها راشيل ميغان مع رجل آخر، ويتضح فيما بعد أنه كمال (إدغار راميريز) الطبيب النفسي لراشيل، وتتحطم راشيل مدمنة الكحول -التي كانت سبب طلاقها- بسبب ما شاهدته.
يتمحور الفيلم كله حول مشهد إغماء راشيل، ما الذي حدث قبل أن يغمى عليها، وكيف اختفت ميغان، وهل كانت راشيل تحت تأثير الكحول قبل أن تسقط أم تعرّضت لضربة؟ من الذي ضربها ولماذا؟ ويذكرنا هذا المشهد الذي يفصل بين فقدان راشيل وعيها واستيقاظها على أرضية حمامها، مدماة ومحتارة فيما جرى لها، بمسلسل “the night of” على شبكة “إتش بي أو” الأمريكية (وهو عن مشتبه به أغمي عليه فترة ارتكاب الجريمة). والسؤال في الحالتين هو نفسه: هل بطلنا قادر على القيام بمثل هذا العنف الشنيع؟ في المسلسل يستمر طرح السؤال حتى بعد الكشف عن الجواب، ولكن في الفيلم لا يوجد اهتمام في استكشاف عواقب غيرة راشيل وغضبها.
نشعر في العديد من الأحيان وكأنّ الفيلم واحد من أفلام الإثارة التي ملأت السوق منتصف التسعينيات بعد فيلم “بيزِك إنستِنكت- الغريزة الأساسية” مع بهرجة أكثر وكادر أفضل وعنف أنثوي أقوى. ولا يمكن مشاهدة الفيلم دون تذكر رائعة هيتشكوك “rear window- النافذة الخلفية” فكل ما تفعله راشيل هو مراقبة النوافذ للمنازل المجاورة لسكة الحديد، ولكن يظلّ العائق الأكبر أمام الفيلم، فيلم آخر “gone girl- الزوجة المفقودة”، يلتقيان في عدّة نواح مع الفرق الهائل في نجاح وشعبية الاثنين. الفيلم الثاني مأخوذ أيضاً عن رواية للكاتبة “جيليان فلين” وهي كاتبة السيناريو أيضاً، وأخرجه “ديفيد فينشر” وهو من بطولة روزموند بايك (إيمي) وبن أفلِك (نِك). وربما لم يكن أمل شركة يونيفرسال منتجة “الفتاة في القطار” في اكتساح نجاح شركة فوكس منتجة “الزوجة المفقودة” في محلّه هذه المرّة.
نعم، تَرِد كلمة “فتاة” في العنوانين، وكلا الروايتين تستكشفان موضوع الشر القابع في الضواحي، واستخدمت كل من هوكينز وفلين امرأة مفقودة وزوج مشتبه به للدفع بالأحداث إلى الأمام- الشخصيات الرئيسة في “الزوجة المفقودة” ثانوية في “الفتاة في القطار”- كما تعتمد الروايتين على متحرية قوية وذكية (كيم ديكنز في الأول وأليسون جيني في الثاني) للوصول إلى الجزء المعقد من الأسرار المظلمة.
بالنسبة لهوكينز، أوجه التشابه واسعة، لكنها ليست عميقة، فإيمي دان مريضة نفسية، وامرأة مسيطرة تتلاعب بالآخرين وذكية، وماهرة، بينما راشيل مجرد فوضويّة لا تستطيع أن تفعل أي شيء بالشكل الصحيح، لا يمكن الاعتماد على إيمي عمداً، في حين لا يمكن الاعتماد على راشيل عرضياً لأنها تبقى مترنحة.
أمّا فيما يخص أداء الممثلين لا يمكن التعليق على إبداع “إميلي بلونت” في دور المترنحة التائبة والتي تحاول العودة إلى الصواب على عكس أدوار زملائها النمطيّة.
الرواية التي صَدَرت عام 2015 أجمل وأفضل بكثير مما شاهدناه على الشاشة. على الرغم من ذلك، لا يعتبر الفيلم سيئاً إلى تلك الدرجة، لكن نقاط الضعف فيه واضحةٌ، إضافة إلى أن مقارنته بفيلم “الزوجة المفقودة” ستظل تلاحقه، مفاجآته ليست بحجم الموجودة في ذلك الفيلم ولا قصته متماسكة مثله، ولا حتى إخراجه متقنٌ.
الفيلم تصدر إيرادات دور السينما البريطانية لعدّة أسابيع، وفي البوكس أوفيس الأمريكية لم يستطع فيلم “inferno- الجحيم” (الذي كان منتظراً حينها) إزاحته من المركز الأوّل فور وصوله. ربما يمكننا أن نعزو هذا النجاح لتوق الجمهور لرؤية ما رسمته هوكينز في الألباب مجسداً أمامهم.
سامر الخيّر