ثقافة

“سها داية” الغربة ليست للبكائيات والنواح

ليست الغربة القسرية للنواح الفيسبوكي بأنواعه ظاهرا، كما أنها ليست لصور السيلفي التي “طرش” بها السوريون الذين هاجروا بسبب الحرب،-ومنهم من هاجر لأجل الهجرة نفسها- حيطانهم الزرقاء، كما أنها ليست ليذهب العديد منهم “للشحادة” والنصب وبكل أسف على أبناء بلده وباسمهم، خصوصا القادمون الجدد، الغربة ليست لهذا، وعلى عكس هؤلاء الذين يجدونها كما ذكرنا، يوجد العديد أيضا من السوريين الذين وجدوا أنه ما من وقت في الغربة للبكائيات والنواح غير المجدي، فعلى الإنسان أن يتأقلم مع كل الظروف المستجدة عليه، ويتعملق إزاء الظروف القاهرة التي تنبت كالأشواك في طريقه، فما بالنا بمن يبدع وهو تحت ضغط ظروف الغربة ذاتها، مهتديا بما في وجدانه من عميق أثر، رسخه بدواخله وطن تركه مرغما، وهاهو يعمل بجد، بل ويثير الدهشة في العديد من المذاهب الفنية والثقافية التي يمضي بها ويعمل من خلالها على جعل السوريين الآخرين أكثر اندماجا بالحياة وهذا ماكان فعلا، عندما قررت الفنانة ومصممة الأزياء السورية-العالمية، “سها داية” ضرورة تبيان وجه سورية الحقيقي، بفنها وفكرها وأدبها للجمهور الغربي المغيب عما يحصل في بلدها.

بداية  لتخبرينا عن الحياة في ألمانيا سببها، وما هو عملك هناك وكيف وجدت طريقك إليها؟

قدومي كمغتربة مثل اغلب السوريين بسبب ظروف الحرب في سورية. واجبنا ومصلحتنا خلال الأعوام المجهولة مدتها في غربتنا أن نقوم بما يعكس الجانب الإيجابي لدينا. قصدت بكلمة مصلحتنا أيضا لأننا بغير هذه الطريقة لن نندمج ولن نستطيع أن نفيد ونستفيد من وجودنا القدري هنا، العمل في الأزياء خصوصا في بلدان متقدمة في صناعتها، هو من الأعمال التي يستصعب العديد العمل فيها. أما كيف وجدت طريقي إليها كما تفضلت،العمل هنا ليس بالأمر السهل ولكن ليس بالمستحيل(طبعا تبعا لأحلامك ونوعية ومجال العمل الذي تود أن تقدمه) ومن المتعارف عليه أن ألمانيا بلد صناعي قوي ويتميز بالجودة، لذا نستطيع القول بأن قوتها في مجال الأزياء  ليست بالإبداع في التصاميم وإنما في الجودة ونوعية القماش والخياطة، وطبعا التسويق لأوروبا والعالم. ولطالما كان شغفي بالأزياء والفنون وتقديم الأفضل هو الدافع والمحرك لتطوري المهني في بلدي، أضيف عليها اليوم في غربتي سعيي لالتقاط نقطة القوة التي تميزني كسورية بذوق وخلفية مختلفة في هذا المجال والتركيز عليه.

ماهي الصعاب التي واجهتك، ومارضاك عن النتيجة التي حققتها حتى الآن؟

الصعاب التي واجهتني اعتقد أنها متشابهة لدى اغلب الأجانب في خطواتنا المتعثرة في أي بلد جديد، اللغة أولا وثانيا وثالثا، ثم تعديل ومقاربة الشهادات واستكمال النقص في أسلوب العمل والعثور على نقاط القوة والتميز لديك، ثم يجب إيجاد الطريق الأصح لهدف مرسوم مسبقا، وأخيرا الإصرار والصبر والتركيز على النتيجة، بغض النظر عن الوقت المهدور بهذه الخطوات، بالتأكيد سأكون غير راضية عما حققته طالما أن الطموح بما هو أكبر موجود، ولكن مطلوب منا جميعا الإيمان بأن الآتي أجمل  وبأن لكل مجتهد نصيب.

كان للعديد من الفقرات التي قمت بتصميميها أيضا سواء كانت فنية أو فكرية أو ثقافية، أثرها المهم على العديد من السوريين المغتربين، الذين شاركوا وبفعالية بتلك التجارب، ماذا تخبرينا عن هذا؟

لأكن صادقة تركت هذه الأعمال انطباعا ومودة وسعادة عند البعض، ولكن كأغلب المهام تترك طابعاً سلبياً أحيانا خصوصا ممن كما نقول بالعامي (لا بيرحموا ولا بيخلوا رحمة الله تنزل)، للأسف حتى في الغربة بدلا من أن نصطف سويا ونجمع ما تبقى لدينا من آمال وروح واعدة، نقلنا معنا بعضا من أمراضنا الاجتماعية لنتبرج بها هنا في بلادٍ لا تؤمن إلا بالعمل والفكر المنفتح الطموح. التعميم خطأ دائما، وكما قلت ما زلنا كسوريين نتمتع اغلبنا بهذه الروح الشغوفة الطموحة والصلبة، ولكنني وددت التنويه لهذه المشكلة لتلافيها وصدقني هذا ما أسعى له في عملي.

اعمل حاليا مع مجموعة من الآباء الروحانيين والمتبرعين مثلي في تخصيص جزء من وقتهم وجهدهم للعمل التطوعي، نخطط لمشروع يستمر لأجيال قادمة كأغلب المجتمعات المهاجرة، تتضامن لتلقى بيئة تحضن أطفالها ومسنيها وتدعم شبابها وعائلاتها، نقدم الدعم الاجتماعي الخدماتي والثقافي ونطمح لتقديم المادي في السنين القادمة. أقوم بخلق نشاطات فكرية وثقافية نابعة من مجتمعنا كأمسيات موسيقية، احتفالات بالأعياد التقليدية بالإضافة لمهرجانات ومعارض فنية كلها تحت نطاق كنيسة”يوسف الدمشقي” لجمع تبرعات ندعم بها كما ذكرت من هم بحاجة للدعم، خصوصا في بداية وصولهم إلى هنا.

وكيف كانت النتيجة بالنسبة لفنانة محترفة مثلك في التعامل مع سوريين لا يجيدون اللغة أيضا؟

لم اشعر في حياتي كلها بكل صدق وفخر بأنني سورية كما اشعر اليوم، رغم ظروف الحرب والصورة المأساوية المطبوعة في بال الألمان حول المعاناة والفقر والشفقة على شعبنا. السوريون هنا بشهادة الألمان شعب ليس له مشاكل نسبيا مقارنة مع المهاجرين من البلدان الأخرى، طموحين ولديهم مبادئ. طبعا لديك نسبة من الناس في كل بلد لديها الطابع الكسول الممل المنتقد، لسنا بصدد التعامل معهم، لأنهم ينشرون طاقتهم السلبية في كل مجال يعملون فيه.

اخبرينا عن طبيعة علاقتك بتصميم الأزياء، وماهو الشيء الخاص بالسوريّة سها منها؟

الأزياء كما ذكرت كانت ولا زالت حلم أسعى لوصول مرحلة جيدة فيه. في سورية كان لدي مشروعي الصغير كبوتيك أقدم فيه خدماتي من تصميم ملابس السهرة وتقديم الاستشارة بـ “اللوك” والمظهر، بما يتعلق بالشعر والماكياج إلى جانب حقيبة اليد والإكسسوار المناسب. وأضيف لقائمة أمنياتي في ألمانيا نقطتين: الأولى أسعى لتنفيذ مشروع ناجح في مجال الأزياء استطيع من خلاله استقطاب الألمان قبل العرب لارتداء تصاميم امرأة سورية، وأرى حتى الآن الكثير من التشجيع والانفتاح والفضول لاستكشاف سوريتنا. هدفي الثاني هو الاستفادة مما تتميز به ألمانيا من مستوى مهني محترف وجودة مشهورة عالميا ونقلها حسب قدرتي إلى سورية لاحقا. لننظر للموضوع بطريقة ايجابية لدينا الفرصة كسوريين بأن نستفيد من قدرات البلاد التي تغربنا إليها لندعم بلدنا وننهض به لاحقا.

وماذا عن علاقتك بأعمالك في مجال الرسم؟

بدايتي في الرسم هو تعويض وتماش مع الظروف الجديدة، فأنا لست رسامة ولكنني مصممة والرسم يدخل في صياغة عملي.

بدأت في منزلي على شرفتي والحقيقة كانت مجرد هدية لأدوات الرسم من أخي، لأستطيع ملء فراغي بما أحب. بدأت بالتعبير عن أفكاري المتضاربة في أول مراحل الغربة، اعتدت قضاء ساعات وأيام عندما أكون بحاجة لمتنفس، يخفف وهج الحنين في داخلي. وبتشجيع من مجتمعي وأهلي وأصدقائي الألمان والعرب، كان لي أول معرض في ألمانيا الصيف الفائت. وحاليا احضر لمعرض في الشهر الثالث للعام القادم، بتنظيم من بلدية مدينة مجاورة لاهتمامهم بنشاطات وفنون مختلفة عن تراثهم.

الرسم لدي كان وسيبقى متنفسا هواية أسعى لتنميتها وليس احترافها، لأني بطبيعتي اعتدت وفضلت العمل خارجا في مجال الأزياء،الذي أحب، كما أسعى للمشاركة بمعرضين سنويا إلى جانب العمل في إحدى الشركات الألمانية ذات التوسع الأوروبي.

وكما ذكرت اعمل على مشروع نسخة عن بوتيكي في حلب كدار تصميم أزياء واستشارات للمظهر، كما أحلم بأن أتمكن قريبا من عرض تصاميمي في أسبوع الموضة في برلين أو دوسلدورف، ومن بعدها في أسبوع الموضة في دمشق إن شاء الله.

متى سنرى عروضا لك في سورية؟

احلم بهذا، وإن شاء الله قريبا مع استقرار الحال في سورية زاد أملي بالعودة للعمل والحياة في سوريتي.

حوار: تمّام علي بركات