حرفي سوري يصمم كرة قدم خشبية مرصعة بالصدف
تنظر إليها من بعيد فتعتقد أنها كرة قدم ليس إلا.. لكن المكان الذي توضع فيه يثير التساؤل.. ماذا تفعل كرة قدم في ورشة موزاييك في أقدم وأعرق أحياء دمشق.
جورج خوري حرفي سوري يعمل بمهنة الموزاييك صمم وأنجز ما يمكن اعتباره أجمل “كرة قدم” معتمدا على الحفر والتطعيم بالصدف وهي المهنة التي ورثها أبا عن جد وأحبها وأخلص لها.
وتميز الدمشقيون بصناعة الموزاييك وفن تطعيم الخشب بالصدف ولم تتوقف صناعتهم خلال سنوات الحرب على سورية بل اتجهوا للابداع والاختراع لتقديم صورة جميلة عن الحرفي السوري الذي عمل على تطوير المهنة محافظا على الابداع والتراث.
سانا التقت الحرفي خوري الذي حدثنا قائلا “أعمل بالمهنة منذ أكثر من أربعين عاما وفي البداية واجهت صعوبات كثيرة لتعلمها..كنت أمضي ساعات طويلة في العمل إلى أن أصبحت معلما بارعا فيها”.
وكانت حرفة الموزاييك تشكل مصدر رزق رئيسا للكثير من العائلات السورية حتى منتصف القرن الماضي حتى أن بعض العائلات احتكرتها.
وتميز الحرفي الدمشقي في هذه المهنة عن غيره من الحرفيين في المدن الأخرى مثل حلب والقدس حتى باتت دمشق مركزا رئيسا يقبل عليه الزوار من جميع الأماكن لاقتناء قطع الأثاث وتزيين المنازل بها.
ويمتلك خوري ورشة صغيرة في حي القيمرية بباب توما تخرج منها عشرات الحرفيين الذين تعلموا على يده موضحا انه اتجه في بداية عمله إلى تقليد الآخرين وتصنيع صناديق العرائس والخزائن وطاولات الضيافة والنرد والمرايا والمزهريات وصناديق المجوهرات الصغيرة وصواني الضيافة لكنه خلال سنوات الحرب وبعد أن قل الطلب على المعروض انتقل من التقليد إلى الابداع ليكون أول من يصمم كرة قدم من الموزاييك مطعمة بالصدفيات.
وبين خوري أن الفكرة كانت تحديا بالنسبة له والتفكير بتصميمها استغرق أكثر من ثلاث سنوات وتنفيذها على أرض الواقع استغرق ثلاثة أشهر وكل يوم كان يضيف لمسات جديدة لافتا إلى أن صناعتها مرت بعدة مراحل المرحلة الأولى صناعة الهيكل الخشبي وتفريغه من الداخل بحيث تبدو للناظرين كرة قدم حقيقية وبعد ذلك قام برسم الشكل الخارجي للكرة ووضع التصور الأخير لأماكن تموضع الموزاييك والصدفيات معتمدا على كرة حقيقية ثم جهز صفائح الموزاييك من قضبان ذات مقطع مربع أو مثلث أو متوازي اضلاع وجمعها بشكل هندسي وقام بتغريتها بعد ربطها بخيط إلى أن حصلت على الشكل الحقيقي للكرة.
وأوضح خوري أنه يستخدم في عمله خشب أشجار الجوز والليمون والورد ويعتمد في جزء قليل على الأشجار المستوردة لافتا إلى أنه رغم تطور جميع الحرف إلا أن حرفة الموزاييك مازالت يدوية رغم تطور آلاتها وهذا ما يميزها عن غيرها.
وهناك ما يزيد على 2000 حرفي في دمشق يعملون بمهنة الخزف والموزاييك رغم عزوف الكثير عنها بسبب ارتفاع تكلفتها وانخفاض الطلب عليها في السوق المحلية ولا سيما خلال سنوات الحرب ويذهب أغلب الإنتاج للمطاعم الدمشقية القديمة والفنادق والمطارات.
واختتم خوري بالقول إنه تلقى عروضا كثيرة مغرية لتحويل ورشته التي تتوسط حي القيمرية الى مطعم لكن حبه للحرفة جعله يتخلى عن الجانب المادي وزاد إصراره وعزيمته لتطوير المهنة والابتكار فيها داعيا الجيل الجديد إلى تعلمها والحفاظ عليها من الاندثار لأنها جزء من تراث السوريين وذاكرتهم.