دعوةٌ للحياة
بثينة أكرم قاسم
يقولون إننا نموت عندما نتوقف عن التنفس، وتتوقف أعضاؤنا عن الحركة يموت القلب والعقل، وليس مهماً من يتوقف أولا.. إنها النهاية الحتمية لأي إنسان ولكل شيء تقريباً.. إنها النهاية المخيفة التي تجعلنا نتعلق بتفسير ديني أو فيزيائي يخفف عنا وطأتها.. إنه الموت الذي تنسينا إياه شمس الصباح ويذكّرنا به قمر الليالي الظلماء.. أكثر من ست سنوات وأنا أرى الموت يُحدق بي من كل جانب، سنين الحرب التي بليت بها بلدنا جعلت صباحاتي ومساءاتي بنكهة الفقد والحرمان ومع كل جنازة وما يرافقها من نحيب وعويل ودموع وأنين يتبادر لذهني سؤال واحد يجعلني أقف حائرة وتعجز كل كتب الفلسفة والفيزياء واللاهوت عن فك طلاسمه ترى حقاً متى سأموت؟ وهل الموت موجع؟ كبرت على هذا الخوف حتى ظننت أني سأبقى بلا جواب إلى ما لانهاية، ثم مات من حولي وشاهدت أحبة لي يغادرون، وفجأة مات فيّ هذا الخوف من الموت وعرفت أنني ممتنة لكل لحظة أعيشها في هذه الحياة، وأن الموت مرة والحياة كل لحظة وطالما أنك ستشهد شمساً ستشرق ثانية فهذا يعني أنك محظوظ.
يجب أن لا نتوقف عن الحياة لمجرد الخوف.. أن نقرأ، نحب، نرقص، نكتب، نسافر، نحلم، نتألم، أن نحيا حقاً ونعطي لأرواحنا وأنفسنا فرصة التعلم والاكتشاف. وبعد، الحياة وهذا الكون أكبر من تصورنا ومن قدرتنا على التصور إنه حي نابض داخلنا فلم لا ندع الأموات ونتمسك بالأحياء!؟ فلنتعلم قليلاً عنه، فلنفكر خارج الصندوق فوراء هذه الجدران دنيا واسعة بقدر سعة أخيلتنا.
وعليه، يجب أن يتحول السؤال ليصبح كيف نستطيع أن نعيش؟ وما أحوجنا في هذه الأوقات لوصفاتٍ للحياة، والموت يتربص بنا خلف الأبواب وداخل المنازل والقلوب والعقول.
نحن بحاجة أن لا نكرر أخطاء الماضي، بل أن نفهم أنفسنا ونفهمها أن الحياة جميلة جداً بقدر قباحتها ولو أني أجد نعتها بالقبح حماقة، فلقد كبرت لذاك الحد الذي يجعلني أراها الجمال عينه.
ولطالما كنت شاعرية لدرجة أني سكرت حباً لزقزقة عصافير الصباح على شرفة منزلنا، لمساءات الشتاء الموجعة، وصباحات الصيف الحالمة، كل هذه الأمور وعلى صغرها تجعلني أقدس كل يوم يأتي إلي.
وبرغم أني أعرف قليلاً ما تمرون به من مآسٍ، فسأقول لكم تمسكوا بأشيائكم المحببة مهما بدت صغيرة، أعطوا الحياة فرصاً، تشبثوا بها بأسنانكم ولا تنحنوا، فما الفرق إن سبق أحدنا الآخر للموت..!؟ أطلقوا عقولكم وأرواحكم حيث لا تصلكم سوى روائح الحياة وقاتلوا، ولا تسألوا أنفسكم متى سنموت بل فليكن سؤالكم كيف سنحيا، ولتكن كل لحظة مختلفة وأجمل من التي سبقتها… فنحن نموت حقاً عندما نفقد رغبتنا بالحياة، أو عندما نحاول فهمها وفي النهاية كما قال ﺩﻭﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ: “ﻋﻠﻰ ﻛﻞّ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﻥ ﻳﺤﺐّ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻻ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻓﻬﻤﻬﺎ”.